للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: النسك الذبح في الحج والعمرة، وقال الثّووي عن السدي عن سعيد بن جبير: {وَنُسُكِي} : ذبحي، وكذا قال الضحاك. وقال غيره: {وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي} ، أي وما آتيه في حياتي، وأموت عليه من الإيمان والعمل الصالح {لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} خالصة لوجهه، {لا شَرِيكَ لَهُ، وَبِذَلِكَ} من الإخلاص {أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} ، لأن إسلام كل نبي متقدم لإسلام أمته كما قال قتادة: {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} ، أي: من هذه الأمة.

قال ابن كثير: وهو كما قال، فإن جميع الأنبياء قبله كلهم كانت دعوتهم إلى الإسلام، وهو عبادة الله وحده لا شريك له. كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} ١. وأخبر تعالى عن نوح عليه السلام أنه

قال لقومه: {فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} ٢. وذكر آيات في هذا المعنى.

قلت: وفي الآية دلائل متعددة على أن الذبح لغير الله شرك، كما هو بين عند التأمل، وفيها بيان العبادة، وأن التوحيد مناف للشرك مضاد له.

قال وقوله: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} ٣. قال شيخ الإسلام: أمره الله أن يجمع بين هاتين العبادتين، وهما: الصلاة والنسك الدالتان على القرب والتواضع والافتقار، وحسن الظن، وقوة اليقين، وطمأنينة القلب إلى الله، وإلى عدته، عكس حال أهل الكبر والنفرة، وأهل الغنى عن الله الذين لا حاجة لهم في صلاتهم إلى ربهم يسألونه إياها، والذين لا ينحرون له خوفًا من الفقر. ولهذا جمع بينهما في قوله: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي} الآية. والنسك: الذبيحة لله تعالى ابتغاء وجهه، فإنها أجل ما يتقرب به إلى الله، فإنه أتى فيهما بالفاء الدالة على السبب، لأن فعل ذلك سبب للقيام بشكر ما أعطاه الله من الكوثر، وأجل العبادات البدنية الصلاة، وأجل العبادات المالية النحر، وما يجتمع للعبد في الصلاة


١ سورة الأنبياء آية: ٢٥.
٢ سورة يونس آية: ٧٢.
٣ سورة الكوثر آية: ٢.

<<  <   >  >>