وإن علوا وفي "الصحيح" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن من الكبائر شتم الرجل والديه". قالوا: يا رسول الله، وهل يشتم الرجل والديه؟ قال:"نعم يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه" ١ فإذا كان هذا حال المتسبب فما ظنك بالمباشر؟ .
قوله:"ولعن الله من آوى محدثًا". أما "آوى" بفتح الهمزة ممدودة أي: ضم إليه وحمى، وقال أبو السعادات: يقال: أويت إلى المنْزل وآويت غيري وأويته، وأنكر بعضهم المقصور المتعدي. وقال الأزهري: هي لغة فصيحة.
وأما "محدثًا" فقال أبو السعادات: يروى بكسر الدال وفتحها على الفاعل والمفعول، فمعنى الكسر: من نصر جانيًا وآواه وأجاره من خصمه، وحال بينه وبين أن يقتص منه، والفتح: هو الأمر المبتدع نفسه، ويكون معنى الإيواء فيه الرضى به والصبر عليه، فإنه إذا رضي بالبدعة وأقر عليها فاعلها، ولم ينكر عليه، فقد آواه. قلت: الظاهر أنه على الرواية الأولى يعم المعنيين، لأن المحدث أعم من أن يكون بجناية أو ببدعة في الدين، بل المحدث بالبدعة في الدين شر من المحدث بالجناية، فإيواؤه أعظم إثمًا، ولهذا عده ابن القيم في كتاب "الكبائر" وقال: هذه الكبيرة تختلف مراتبها باختلاف مراتب الحدث في نفسه، فكلما كان الحدث في نفسه أكبر، كانت الكبيرة أعظم
قوله:"ولعن الله من غير منار الأرض". قال المصنف: هي المراسيم التي تفرق بينك وبين جارك. وقال النووي: منار الأرض -بفتح الميم- علامات حدودها، والمعنى واحد. قيل: وتغييرها أن يقدمها أو يؤخرها، فيكون هذا من ظلم الأرض الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم:"من ظلم شبرًا من الأرض طوقه يوم القيامة من سبع أرضين". رواه البخاري ومسلم.
١ أبو داود: الزكاة (١٦٤١) , وابن ماجه: التجارات (٢١٩٨) .