للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك أوفر الجزاء للعاملين لذلك، ابتغاء وجهه، ورجاء موعوده. إذا علمت ذلك فهذه النذور الواقعة من عباد القبور وأشباههم لمن يعتقدون فيه نفعًا أو ضرًا فيتقرب إليه بالنذر، ليقضي حاجته أو ليشفع له. كل ذلك شرك في العبادة، وهو شبيه بما ذكر الله عن المشركين في قوله: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيباً فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} ١. روى ابن أبي حاتم في الآية. يعني: جعلوا لله جزءًا من الحرث ولشركائهم ولأوثانهم جزءًا، فما ذهبت به الريح مما سموا لله إلى جزء أوثانهم تركوه، وقالوا: الله عن هذا غني، وما ذهبت به الريح من جزء أوثانهم إلى جزء الله أخذوه.

وعباد القبور يجعلون لله جزءًا من أموالهم بالنذر والصدقة، وللأموات والطواغيت جزءًا كذلك، وقد نص غير واحد من العلماء، على أن النذر لغير الله شرك.

قال شيخ الإسلام: وأما ما نذره لغير الله كالنذر للأصنام والشمس والقمر والقبور ونحو ذلك، فهو بمنْزلة أن يحلف بغير الله من المخلوقات، والحالف بالمخلوقات لا وفاء عليه ولا كفارة، وكذلك الناذر للمخلوق ليس عليه وفاء ولا كفارة، فإن كليهما شرك، والشرك ليس له حرمة، بل عليه أن يستغفر الله من هذا العقد ويقول ما قال النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: "من حلف باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله" ٢. وقال أيضًا فيمن نذر للقبور ونحوها دهنًا لتنور به ويقول: إنها تقبل النذر كما يقول بعض الضالين. فهذا النذر معصية باتفاق العلماء، لا يجوز الوفاء به، وكذلك إذا نذر مالاً من النقد أو غيره للسدنة أو المجاورين العاكفين بتلك البقعة، فإن هؤلاء السدنة فيهم شبه من السدنة التي كانت للات والعزى ومناة يأكلون {أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}


١ سورة الأنعام آية: ١٣٦.
٢ البخاري: الأدب (٦١٠٧) , ومسلم: الأيمان (١٦٤٧) , والترمذي: النذور والأيمان (١٥٤٥) , والنسائي: الأيمان والنذور (٣٧٧٥) , وأبو داود: الأيمان والنذور (٣٢٤٧) , وابن ماجه: الكفارات (٢٠٩٦) , وأحمد (٢/٣٠٩) .

<<  <   >  >>