للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وملجأ ووزرًا، فالعائذ بالله قد هرب مما يؤذيه أو يهلكه إلى ربه ومالكه، وفر إليه، وألقى نفسه بين يديه واعتصم به، واستجار به، والتجأ إليه، وهذا تمثيل وتفهيم، وإلا فما يقوم بالقلب من الالتجاء إلى الله، والاعتصام به، والإطراح بين يدي الرب، والافتقار إليه، والتذلل بين يديه، أمر لا تحيط به العبارة. هذا معنى كلام ابن القيم.

وقال ابن كثير: الاستعاذة هي: الالتجاء إلى الله والالتصاق بجنابه من شر كل ذي شر. والعياذ يكون لدفع الشر. واللياذ لطلب الخير. وهذا معنى كلام غيرهما من العلماء، فتبين بهذا أن الاستعاذة بالله عبادة لله، ولهذا أمر الله بالاستعاذة به في غير آية، وتواترت السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك. قال الله تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} ١. وقال: {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} ٢. وقال: {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ٣. وقال: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} ٤. وقال تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ} ٥. فإذا كان تعالى هو ربنا وملكنا وإلهنا، فلا مفزع لنا في الشدائد سواه، ولا ملجأ لنا منه إلا إليه، ولا معبود لنا غيره، فلا ينبغي أن يدعى ولا يخاف ولا يرجى ولا يحب غيره، ولا يذل ولا يخضع لغيره، ولا يتوكل إلا عليه، لأن من تخافه وترجوه وتدعوه وتتوكل عليه، إما أن يكون مربيك والقيم بأمورك، ومتولي شأنك، فهو ربك، ولا رب لك سواه، أو تكون مملوكه وعبده الحق، فهو ملك الناس حقًّا، وكلهم عبيده ومماليكه، أو يكون معبودك وإلهك الذي لا تستغني عنه طرفة عين، بل حاجتك إليه أعظم من حاجتك إلى حياتك وروحك، فهو الإله الحق إله الناس، فمن كان ربهم وملكهم وإلههم فهم جديرون أن لا يستعيذوا بغيره، ولا يستنصروا بسواه، ولا يلجئوا إلى غير حماه،


١ سورة فصلت آية: ٣٦.
٢ سورة المؤمنون آية: ٩٧-٩٨.
٣ سورة غافر آية: ٥٦.
٤ سورة الفلق آية: ١.
٥ سورة آية: ١-٣.

<<  <   >  >>