للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد أجمع العلماء على أنه لا تجوز الاستعاذة بغير الله، ولهذا نهوا عن الرقى التي لا يعرف معناها، خشية أن يكون فيها شيء من ذلك. قال ملا علي القاري الحنفي: ولا تجوز الاستعاذة بالجن، فقد ذم الله الكافرين على ذلك فقال:: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} ١، إلى أن قال: وقال تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الأِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الأِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ} ٢. فاستمتاع الإنسي بالجني في قضاء حوائجه وامتثال أوامره، أو إخباره بشيء من المغيبات، واستمتاع الجني بالإنسي تعظيمه إياه، واستعاذته به، واستغاثته وخضوعه له. وفيه أن كون الشيء يحصل به منفعة دنيوية من كف شر أو جلب نفع لا يدل على أنه ليس من الشرك. ذكره المصنف.

قال: وعن خولة بنت حكيم قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من نزل منْزلاً فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يرحل من منْزله ذلك" ٣. رواه مسلم.

قوله: "عن خولة بنت حكيم". أي: ابن أمية السلمية، يقال لها: أم شريك. ويقال لها: خويلة بالتصغير، ويقال: إنها هي الواهبة، وكانت قبل تحت عثمان بن مظعون. قال ابن عبد البر: وكانت صالحة فاضلة.

قوله: (أعوذ بكلمات الله التامات) . هذا ما شرعه الله لأهل الإسلام أن يستعيذوا به بدلاً عما يفعله أهل الجاهلية من الاستعاذة بالجن، فشرع الله للمسلمين أن يستعيذوا به أو بصفاته.

قال القرطبي في "المفهم":

قيل: معناه الكاملات التي لا يلحقها نقص ولا عيب، كما يلحق كلام البشر. وقيل: معناه الشافية الكافية، وقيل: الكلمات هنا: هي القرآن، فإن الله أخبر عنه بأنه {هُدىً وَشِفَاءٌ} وهذا الأمر على جهة الإرشاد إلى ما يدفع به


١ سورة الجن آية: ٦.
٢ سورة الأنعام آية: ١٢٨.
٣ مسلم: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (٢٧٠٨) , والترمذي: الدعوات (٣٤٣٧) , وابن ماجه: الطب (٣٥٤٧) , وأحمد (٦/٣٧٧ ,٦/٣٧٨ ,٦/٤٠٩) , والدارمي: الاستئذان (٢٦٨٠) .

<<  <   >  >>