للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الممات فهو أشنع وأبدع من القول بالتصرف في الحياة. قال جل ذكره: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} ١، {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ} ٢، {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} ٣، {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} ٤.

وفي الحديث: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله" ٥. الحديث، فجميع ذلك وما هو نحوه دال على انقطاع الحس والحركة من الميت، وأن أرواحهم ممسكة، وأن أعمالهم منقطعة عن زيادة ونقصان، فدل ذلك أن ليس للميت تصرفًا في ذاته فضلاً عن غيره بحركة، وأن روحه محبوسة مرهونة بعملها من خير وشر، فإذا عجز عن حركة نفسه فكيف يتصرف في غيره؟! فالله سبحانه يخبر أن الأرواح عنده، وهؤلاء الملحدون يقولون: إن الأرواح مطلقة متصرفة. قل أأنتم أعلم أم الله؟.

قال: وأما اعتقادهم أن هذه التصرفات لهم من الكرامات، فهو من المغالطة، لأن الكرامة شيء من عند الله يكرم بها أولياءه، لا قصد لهم فيه ولا تحدي، ولا قدرة ولا علم، كما في قصة مريم بنت عمران، وأسيد بن حضير، وأبي مسلم الخولاني.

قال: وأما قولهم: فيستغاث بهم في الشدائد، فهذا أقبح مما قبله، وأبدع لمصادمته قوله جل ذكره: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} ٦، {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} ٧. وذكر آيات في هذا المعنى ثم قال: فإنه جل ذكره قرر أنه الكاشف للضر لا غيره، وأنه المتعين لكشف الشدائد والكرب وأنه المتفرد بإجابة المضطرين، وأنه المستغاث لذلك كله، وأنه القادر على دفع الضر، والقادر على إيصال الخير، فهو المنفرد بذلك فإذا تعين هو جل ذكره، خرج غيره من ملك ونبي وولي.

قال: والاستغاثة تجوز في الأسباب الظاهرة العادية من الأمور الحسية في قتال أو إدراك عدو أو سبع ونحوه كقولهم: يا لزيد


١ سورة الزمر آية: ٣٠.
٢ سورة الزمر آية: ٤٢.
٣ سورة آل عمران آية: ١٨٥.
٤ سورة المدثر آية: ٣٨.
٥ مسلم: الوصية (١٦٣١) , والترمذي: الأحكام (١٣٧٦) , والنسائي: الوصايا (٣٦٥١) , وأبو داود: الوصايا (٢٨٨٠) , وأحمد (٢/٣٧٢) , والدارمي: المقدمة (٥٥٩) .
٦ سورة النمل آية: ٦٢.
٧ سورة الأنعام آية: ٦٣.

<<  <   >  >>