فإن مشايخ ابن وهب المكيين معروفون كداود بن عبد الرحمن، وزمعة بن صالح، وابن عيينة، وطلحة بن عمرو الحضرمي، وابن جريج، وعمر بن قيس، ومسلم بن خالد الزنجي، وليس فيهم من يكنى أبا سعيد، فتبين أنه مجهول.
الثالث: إن قلنا بتقدير ثبوته، فليس فيه دليل على دعاء الميت والغائب، غاية ما فيه أنه توجه به في دعائه، فأين هذا من دعاء الميت؟ فإن التوجه بالمخلوق سؤال به لا سؤال منه، والكلام إنما هو في سؤال المخلوق نفسه ودعائه والاستغاثة به فيما لا يقدر عليه إلا الله، وكل أحد يفرق بين سؤال الشخص، وبين السؤال به، فإنه في السؤال به قد أخلص الدعاء لله، ولكن توجه على الله بذاته أو بدعائه. وأما في سؤاله نفسه ما لا يقدر عليه إلا الله، فقد جعله شريكًا لله في عبادة الدعاء، فليس في حديث الأعمى، وحديث ابن حنيف هذا إلا إخلاص الدعاء لله كما هو صريح فيه، إلا قوله، يا محمد إني أتوجه بك، وهذا ليس فيه المخاطبة لميت فيما لا يقدر عليه، إنما فيه مخاطبته مستحضرًا له في ذهنه كما يقول المصلي: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.
الرابع: أنهم زعموا أنه دليل على دعاء كل غائب وميت من الصالحين، فخرجوا عما فهموه من الحديث بفهمهم الفاسد إلى أنه دليل على دعاء كل غائب وميت صالح، ولا دليل فيه أصلاً على دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم بعد موته، ولا في حياته فيما لا يقدر عليه، ثم لو كان فيه دليل على ذلك لم يكن فيه دليل على دعاء الغائب والميت مطلقًا، لأن هذا قياس مع وجود الفارق، وهو باطل بالإجماع، إذ ما ثبت للنبي صلى الله عليه وسلم من الفضائل والكرامات لا يساويه فيه أحد، فلا يجوز قياس غيره عليه، وأيضًا فالقياس إنما يجوز للحاجة ولا حاجة إلى قياس غيره عليه، فبطل قياسهم بنفس مذهبهم، هذا غاية ما احتجوا به مما هو موجود في بعض الكتب