للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ألقاه الشيطان في نفوسها. ومن العجب أن اللعين كادهم مكيدة أدرك بها مأموله، فأظهر لهم هذا الشرك في صورة محبته صلى الله عليه وسلم وتعظيمه، ومحبة الصالحين وتعظيمهم، ولعمر الله إن تبرئتهم من هذا التعطيم والمحبة، هو التعطيم لهم والمحبة، وهو الواجب المتعين. وأظهر لهم التوحيد والإخلاص في سورة بغض النبي صلى الله عليه وسلم وبغض الصالحين، والتنقص بهم، وما شعروا أنهم تنقصوا الخالق سبحانه وتعالى، وبخسوه حقه، وتنقصوا النبي صلى الله عليه وسلم والصالحين بذلك. أما تنقّصهم للخالق تعالى، فلأنهم جعلوا المخلوق العاجز مثل الرب القادر في القدرة على النفع والضر. وأما بخسهم حقه تعالى، فلأن العبادة بجميع أنواعها حق لله تعالى، فإذا جعلوا شيئًا منها لغيره، فقد بخسوه حقه. وأما تنقصهم للنبي صلى الله عليه وسلم وللصالحين، فلأنهم ظنوا أنهم راضون منهم بذلك أو أمروهم به وحاشا لله أن يرضوا بذلك أو يأمروا به، كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} ١.وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم، جِدّه صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر، بحيث فعل ما نسب به إلى الجنون، وكذلك لو يفعله مسلم الآن، قاله المصنف.

وفيه دليل على الاجتهاد في الأعمال وترك البطالة والاعتماد على مجرد الانتساب إلى الأشخاص كما يفعله أهل الطيش والحمق ممن ينتسب إلى نبي أو صالح ونحو ذلك، لأنه صلى الله عليه وسلم إذا خاطب بنته وعمه وعمته وقرابته بهذا الخطاب كان تنبيها لذريتهم ونحوهم على ذلك، لأنه إذا كان لا يغني عن هؤلاء شيئًا، كان ذريتهم أولى أن لا يغني عنهم من الله شيئًا، وقد قال تعالى لمن اكتفى بالانتساب إلى الأنبياء عن متابعتهم: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ٢.

وفيه أن أولى الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم هم أهل طاعته، ومتابعته


١ سورة الأنبياء آية: ٢٥.
٢ سورة البقرة آية: ١٣٤.

<<  <   >  >>