للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تَتَذَكَّرُونَ} ١. أراد المصنف في هذا الباب إقامة الحجج على أن ذلك هو عين الشرك وأن الشفاعة التي يظنها مَنْ دعا غير الله ليشفع له كما يشفع الوزير عند الملك منتفية دنيا وأخرى، وإنما الله هو الذي يأذن للشافع ابتداء، لا يشفع ابتداء كما يظنه أعداء الله. فإن قلت: إذا كان من اتخذ شفيعا عند الله، إنما قصده تعظيم الرب تعالى وتقدس أن يتوصل إليه إلا بالشفعاء، فلم كان هذا القدر شركًا؟!

قيل: قصده للتعظيم لا يدل على أن ذلك تعظيم لله تعالى، فكم من يقصد التعظيم لشخص ينقصة بتعظيمه، ولهذا قيل في المثل المشهور: يضر الصديق الجاهل ما لا يضر العدو العاقل. فإن اتخاذ الشفعاء والأنداد من دون الله هضم لحق الربوبية، وتنقص للعظمة الإلهية، وسوء ظن برب العالمين، كما قال تعالى: {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} ٢ فإنهم ظنوا به ظن السوء حتى أشركوا به، ولو أحسنوا به الظن لوحدوه حق توحيده، ولهذا أخبر سبحانه وتعالى عن المشركين أنهم ما قدروه حق قدره وكيف يقدره حق قدره من اتخذ من دونه ندًا، أو شفيعًا يحبه ويخافه ويرجوه، ويذل له، ويخضع له ويهرب من سخطه ويؤثر مرضاته ويدعوه ويذبح له وينذر، وهذه هي التسوية التي أثبتها المشركون بين الله وبين آلهتهم، وعرفوا وهم في النار أنها كانت باطلا وضلالاً، فيقولون وهم في النار: {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} ٣. ومعلوم، أنهم ما ساووهم به في الذات والصفات والأفعال، ولا قالوا: إن آلهتكم خلقت السماوات والأرض وإنها تحيي وتميت، وإنما ساووهم به في المحبة والتعظيم والعبادة، كما ترى عليه أهل الإشراك ممن ينتسب إلى الإسلام، وإنما كان ذلك هضمًا لحق الربوبية، وتنقصًا لعظمة الإلهية، وسوء ظن برب العالمين، لأن


١ سورة السجدة آية: ٤.
٢ سورة الفتح آية: ٦.
٣ سورة الشّعراء آية: ٩٧-٩٨.

<<  <   >  >>