للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والأصنام المصورة على صورهم بزعمهم أن يشفعوا لنا عند الله، والرسول صلى الله عليه وسلم قد أتاهم بإبطال ذلك، والنهي عنه، وتكفير من دان به وتضليلهم وتسفيه عقولهم ولم يرخص لهم في سؤال الشفاعة من الملائكة، ولا من الأنبياء ولا الأصنام، بل أتاهم بقوله تعالى: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً} . وقوله: {أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} ١. وهذا كثير جدًا لمن تتبعه.

والمقصود أن المشركين الأولين يدعون الملائكة والصالحين ليشفعوا لهم عند الله، كما تشهد به نصوص القرآن، وكتب التفسير والسير، والآثار طافحة بذلك، ويكفي العاقل المنصف قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} ٢.

قال: وقوله: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ ... } ٣.

ش: هذه الآية هي التي قال فيها بعض العلماء: إنها تقطع عروق شجرة الشرك من القلب لمن عقلها. قال ابن القيم في الكلام عليها: وقد قطع الله الأسباب التي يتعلق بها المشركون جميعها قطعًا، يعلم من تأمله وعرفه أن من اتخذ من دون الله وليًا، فمثله {كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ} [العنكبوت] ، فالمشرك إنما يتخذ معبوده لما يحصل له به من النفع، والنفع لا يكون إلا ممن يكون فيه خصالا من هذه الأربع: إما مالك لما يريد عابده منه، فإن لم يكن مالكا كان شريكا للمالك، فإن لم يكن شريكا له، كان معينا له وظهيرا، فإن لم يكن معينًا ولا ظهيرًا، كان شفيعًا عنده، فنفى سبحانه المراتب الأربع نفيا مرتبا منتقلا من الأعلى إلى ما دونه، فنفى الملك والشركة والمظاهرة والشفاعة التي يطلبها المشرك، وأثبت شفاعة لا نصيب فيها لمشرك وهي الشفاعة التي، قال: فهو الذي يأذن


١ سورة آية: ٢٣-٢٤.
٢ سورة آية: ٤٠-٤١.
٣ سورة سبأ آية: ٢٢.

<<  <   >  >>