السر عبدت الكواكب، واتخذت لها الهياكل، وصنفت لها الدعوات، واتخذت الأصنام المجسدة لها، وهذا بعينه هو الذي أوجب لعباد القبور اتخاذ أعياد، وتعليق الستور عليها، وإيقاد السرج عليها، وبناء المساجد عليها، وهو الذي قصد الرسول صلى الله عليه وسلم إبطاله ومحوه بالكلية، وسد الذرائع المفضية إليه، فوقف المشركون في طريقه، وناقضوه في قصده وكان صلى الله عليه وسلم في شق وهؤلاء في شق. وهذا الذي ذكره هؤلاء المشركون في زيارة القبور هو الشفاعة التي ظنوا أن آلهتهم تنفعهم بها وتشفع لهم عند الله. قالوا: فإن العبد إذا تعلقت روحه بروح الوجيه المقرب عند الله، وتوجه بهمته إليه، وعكف بقلبه عليه، صار بينه وبينه اتصال يفيض به عليه منه نصيب مما يحصل له من الله، وشبهوا ذلك بمن يخدم ذا جاه وحظوة وقرب من السلطان، فهو شديد التعلق به، فما يحصل لذلك السلطان من الإنعام والإفضال ينال ذلك المتعلق بحسب تعلقه به. فهذا سر عبادة الأصنام وهو الذي بعث الله رسله، وأنزل كتبه بإبطاله وتكفير أصحابه، ولعنهم، وأباح دماءهم، وأموالهم، وسبى ذراريهم، وأوجب لهم النار، والقرآن من أوله إلى آخره، مملوء من الرد على أهله وإبطال مذهبهم. انتهى.
قوله:(وينال المقام المحمود) ، أي: المقام الذي يحمده فيه الخلائق
كلهم وخالقهم تبارك وتعالى: قال ابن جرير: قال أكثر أهل التأويل: ذلك المقام، الذي يقومه صلى الله عليه وسلم الشفاعة للناس ليريحهم ربهم مما هم فيه من شدة ذلك اليوم.
وقال "ابن عباس: المقام المحمود مقام الشفاعة". وكذا قال ابن أبي نجيح عن مجاهد. وقال قتادة: هو أول من تنشق عنه الأرض، وأول شافع، وكان أهل العلم يرون أنه المقام المحمود.
قوله: فالشفاعة التي نفاها القرآن ما كان فيها شرك. يعني: أن الشفاعة التي نفاها الله في القرآن هي الشفاعة التي فيها شرك بالله، من دعاء غير الله وعبادته ليشفع له عند الله، فإن الله سبحانه نفى هذه