قوله: ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم. أي: طال عليهم الزمان، ونسوا ما قصده الأولون بتصوير صورهم، فعبدوهم، فتبين أن مبدأ الشرك بالصالحين هو الغلو فيهم، كما أن سبب الشرك بالنجوم هو الغلو فيها واعتقاد النحوس فيها والسعود، ونحو ذلك. وهذا هو الغالب على الفلاسفة ونحوهم، كما أن ذاك هو الغالب على عباد القبور، ونحوهم، وهو أصل عبادة الأصنام، فإنهم عظموا الأموات تعظيمًا مبتدعًا، فصوروا صورهم، وتبركوا بها، فآل الأمر إلى أن عبدت الصور ومن صورته، وهذا أول شرك حدث في الأرض، وهو الذي أوحاه الشيطان إلى عباد القبور في هذه الأزمان، فإنه ألقى إليهم أن البناء على القبور والعكوف عليها من محبة الصالحين وتعظيمهم، وأن الدعاء عندها أرجى في الإجابة من الدعاء في المسجد الحرام والمساجد، فاعتادوها لذلك. فإذا تقرر ذلك عندهم، نقلهم منه إلى الدعاء به والإقسام على الله به.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: وهذا أعظم من الذي قبله، فإن شأن الله أعظم من أن يقسم عليه، أو يسأل بأحد من خلقه فإذا تقرر ذلك عندهم، نقلهم منه إلى دعائه وعبادته، وسؤاله الشفاعة من دون الله، واتخاذ قبره وثنًا يعكف عليه، وتعلق عليه القناديل والستور ويطاف به ويستلم، ويقبل ويحج إليه، ويذبح عنده، فإذا تقرر ذلك عندهم، نقله منه إلى دعاء الناس إلى عبادته، واتخاذه عيدًا ومنسكًا، ورأوا أن ذلك أنفع لهم في دنياهم وأخراهم، وكل هذا مما قد علم بالاضطرار من دين الإسلام أنه مضاد لما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم من تجريد التوحيد لله، وألا يعبد إلا الله، فإذا تقرر ذلك عندهم نقلهم منه إلى أنّ مَنْ نَهى عن ذلك، فقد تنقص أهل الرتب العالية، وحطهم عن منْزلتهم، وزعم أنهم لا حرمة لهم، ولا قدر، وغضب المشركون، واشمأزت قلوبهم كما قال تعالى:{وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} ١. وسرى