للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أو ليقرأ عندها، أو ليذكر الله عندها، أو ليسكن عندها بحيث يخص تلك البقعة بنوع من العبادة التي لم يشرع تخصيصها به لا نوعًا ولا عينًا، لأن ذلك قد يجوز بحكم الاتفاق لا لقصد الدعاء فيها، كمن يدعو الله في طريقه، ويتفق أن يمر في طريقه بالقبور أو كمن يزورها ويسلم عليها، ويسأل الله العافية له وللموتى كما جاءت به السُّنَّة، فإن ذلك ونحوه لا بأس به.

وأما تحري الدعاء عندها بحيث يستشعر أن الدعاء هناك أجوب منه في غيره، فهذا هو المنهي عنه. والفرق بين النوعين ظاهر، فإن الرجل لو كان يدعو الله واجتاز في ممره بصنم أو صليب أو كنيسة أو دخل إليها ليبيت فيها مبيتًا جائزًا ودعا الله في الليل، أو أتى بعض أصدقائه ودعا الله في بيته لم يكن بهذا بأس. ولو تحرى الدعاء عند هذه المواضع لكان من العظائم بل قد يكون كفرًا.

قوله: "اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" ١ هذه الجملة بعد الأولى تنبيه على سبب لحوق اللعن بهم، وهو توسلهم بذلك إلى أن تصير أوثانًا تعبد. ففيه إشارة إلى ما ترجم له المصنف، وفيه تحريم البناء على القبور، وتحريم الصلاة عندها.

وقد روى أصحاب مالك عنه أنه كره أن يقول القائل: زرت قبر النبي صلى الله عليه وسلم. وعلل وجه الكراهة بقوله: "اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" ٢ فكره إضافة هذا اللفظ إلى القبر لئلا يقع التشبه بفعل أولئك سدًّا للذريعة، وحسمًا للباب. ذكره [الْمُحِبّ] الطبري [في القرى ٦٢٩] . وفيه أنه صلى الله عليه وسلم لم يستعذ إلا مما يخاف وقوعه. ذكره المصنف.

قال: ولابن جرير بسنده عن سفيان عن منصور عن مجاهد {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى} ٣. قال: كان يلت لهم السويق فمات، فعكفوا على قبره وكذا قال أبو الجوزاء عن ابن عباس: كان يلت السويق للحاج.

ش: قوله: (ولابن جرير) . هو الإمام الحافظ محمد بن جرير بن


١ مالك: النداء للصلاة (٤١٦) .
٢ مالك: النداء للصلاة (٤١٦) .
٣ سورة النجم آية: ١٩.

<<  <   >  >>