طوعًا وكرهًا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا راد لما قضيت".
قلت: الظاهر أنه سواء في ذلك المبرم والمعلق، فالكل لا يرد فإن هذا إخبار عن عدم الرد لجنس القضاء، والنبي صلى الله عليه وسلم سأل ذلك مطلقًا فأجيب بهذا، واستجاب له دعاءه ما لم يوجد الشرط المقتضي لتسليط العدو، فإذا وجد ذلك وجد القضاء المعلق.
قوله:(حتى يكون بعضهم يهلك بعضًا ... ) إلى آخره. أي: حتى يوجد ذلك منهم فإن وجد فإنه يسلط عليهم عدوهم من الكفار، فيستبيح جماعتهم وإمامهم ومعظمهم لا كل الأمة، ثم أيضًا تكون العاقبة لهذه الأمة إن رجعوا عما هم فيه من الأسباب الموجبة للتسليط، وكذلك وقع، فإن هذه الأمة لما جعل بأسها بينها اقتتلوا فأهلك بعضهم بعضًا، وسبى بعضهم بعضًا، فلما فعلوا ذلك تفرقت جماعتهم، واشتغل بعضهم ببعض عن جهاد العدو، واستولوا عليهم، كما وقع ذلك في المائة السابعة في المشرق والمغرب، فاختلفت ملوك المشرق وتخاذلوا واستولى التتار على غالب أرض خراسان، وعلى العراق وديار الروم، وقتلوا الخليفة والعلماء والملوك الكبار، وكذلك ملوك المغرب اختلفوا وتخاذلوا واستولت الإفرنج على جميع بلاد الأندلس والجزر القريبة منها، فهي في أيديهم إلى اليوم، بل استولوا على كثير من بلدان الشام حتى استنقذها منهم صلاح الدين ابن أيوب وغيره.
[خوف الرسول صلى الله عيه وسلم من الأئمة المضلين]
قوله: ورواه البرقاني في "صحيحه". البرقاني هو الحافظ الكبير أبو بكر محمد بن أحمد بن غالب الخوارزمي الشافعي، ولد سنة ست وثلاثين وثلاثمائة، ومات سنة خمس وعشرين وأربع مائة. قال الخطيب: كان ثبتًا ورعًا، لم نر في شيوخنا أثبت منه،