للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كفر لوصف السحر وهو أمر خاص، ودليله خاص، وهذا ليس بساحر وإنما يؤثر عمله ما يؤثره فيعطى حكمه إلا فيما اختص به من الكفر وعدم قبول التوبة انتهى ملخصًا. وبه يظهر مطابقة الحديث للترجمة.

والحديث دليل على تحريم الغيبة والنميمة، وهو كذلك بالإجماع. وقد قال أبو محمد بن حزم: اتفقوا على تحريم الغيبة والنميمة في غير النصيحة الواجبة، وفيه دليل على أنها من الكبائر.

وقوله: (القالة بين الناس) . قال أبو السعادات: أي: كثرة القول وإيقاع الخصومة بين الناس بما يحكى للبعض عن البعض، ومنه الحديث "ففشت القالة بين الناس" ١.

قال: ولهما عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن من البيان لسحرًا" ٢.

ش: البيان: البلاغة والفصاحة، قال صعصعة بن صوحان: صدق نبي الله أما قوله: (إن من البيان لسحرًا) ، فالرجل يكون عليه الحق وهو ألحن بالحجج من صاحب الحق، فيسحر القوم ببيانه، فيذهب بالحق. وقال ابن عبد البر: تأولته طائفة على الذم، لأن السحر مذموم. وذهب أكثر أهل العلم وجماعة أهل الأدب إلى أنه على المدح، لأن الله تعالى مدح البيان. قال: وقد قال عمر بن عبد العزيز لرجل سأله عن حاجة، فأحسن المسألة، فأعجبه قوله فقال: "هذا والله السحر الحلال".

قلت: الأول أصح وهو أنه خرج مخرج الذم لبعض البيان لا كله،

وهو الذي فيه تصويب الباطل وتحسينه، حتى يتوهم السامع أنه حق أو يكون فيه بلاغة زائدة عن الحد، أو قوة في الخصومة حتى يسحر القوم ببيانه، فيذهب بالحق ونحو ذلك، فسماه سحرًا لأنه يستميل القلوب كالسحر، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لما جاءه رجلان من


١ مسلم: البر والصلة والآداب (٢٦٠٦) , وأحمد (١/٤٣٧) .
٢ البخاري: النكاح (٥١٤٦) , والترمذي: البر والصلة (٢٠٢٨) , وأبو داود: الأدب (٥٠٠٧) , وأحمد (٢/١٦ ,٢/٥٩ ,٢/٦٢ ,٢/٩٤) , ومالك: الجامع (١٨٥٠) .

<<  <   >  >>