للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَاتَّبِعُونِي} ١. فلما كثر المدعون لمحبة الله، طولبوا بإقامة البينة، فجاءت هذه الآية ونحوها. فمن ادعى محبة الله، وهو يحب ما ذكر على الله ورسوله، فهو كاذب كمن يدعي محبة الله، وهو على غير طريق النبي صلى الله عليه وسلم فإنه كاذب، إذ لو كان صادقًا لكان متبعًا له، قال مبارك ابن فضالة: عن الحسن. قال: كان ناس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يقولون: يا رسول الله إننا نحب ربنا حبًّا شديدًا، فأحب الله أن يجعل لحبه عَلَمًا فأنزل الله: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} ٢. وقد وقع لكثير من المدعين نوع انبساط في دعوى المحبة أخرجهم إلى شيء من الرعونة والدعاوي التي تنافي العبودية، ويدعي أحدهم دعاوي تتجاوز حدود الأنبياء، ويطلبون من الله ما لا يصلح بكل وجه إلا لله. وسبب هذا ضعف تحقيق المحبة التي هي محض العبودية، بل ضعف العقل الذي به يعرف العبد حقيقته، ومدعي ذلك فيه شبه من اليهود والنصارى الذين قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه.

وشرط المحبة موافقة المحبوب، فتحب ما يحب، وتكره ما يكره، وتبغض ما يبغض، وذلك كمن يدعي أن الذنوب لا تضره، لكون الله يحبه فيصر عليها أو يدعي أنه يصل إلى حد في محبة الله تسقط عنه التكاليف، وكقول بعضهم: أي مريد لي ترك في النار أحدًا، فإن بريء منه، فقال الآخر: أي مريد لي ترك أحدًا من المؤمنين يدخل النار، فإنه بريء منه. ونحو ذلك من الدعاوي مع أن كثيرًا من هذا ونحوه لا يصدر إلا من كافر، والعاقل يتنبه. وما هكذا كان سادات المحبين: الأنبياء والمرسلون، والصحابة، والتابعون، فكن على حذر من ذلك، فإن كثيرًا من جهال المتصوفة وقع فيه، وقد ينسب ذلك إلى بعض المشايخ المشهورين، وهو إما كذب عليهم، وإما خطأ منهم، فإن العصمة منتفية عن غير الرسول صلى الله عليه وسلم.


١ سورة آل عمران آية: ٣١.
٢ سورة آل عمران آية: ٣١.

<<  <   >  >>