للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أحد بمكروه خوفًا من سر المظلوم وأشباه هذا من الكفر، وهذا الخوف لا يكون العبد مسلمًا إلا بإخلاصه لله تعالى وإفراده بذلك دون من سواه.

الثاني: أن يترك الإنسان ما يجب عليه من الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بغير عذر إلا لخوف من الناس، فهذا محرم، وهو الذي نزلت فيه الآية المترجم لها وهو الذي جاء فيه الحديث: "إن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة: ما منعك إذا رأيت المنكر أن لا تغيره فيقول: يا رب خشيت الناس، فيقول إياي كنت أحق أن تخشى" ١ رواه أحمد.

الثالث: خوف وعيد الله الذي توعد به العصاة وهو الذي قال الله فيه: {ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} ٢.

وقال: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} ٣. وقال تعالى: {قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} ٤. وقال تعالى: {وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً} ٥. وهذا الخوف من أعلى مراتب الإيمان، ونسبة الأول إليه كنسبة الإسلام إلى الإحسان وإنما يكون محمودًا إذا لم يوقع في القنوط واليأس من روح الله، ولهذا قال شيخ الإسلام: هذا الخوف ما حجزك عن معاصي الله، فما زاد على ذلك، فهو غير محتاج إليه.

بقي قسم رابع وهو الخوف الطبيعي، كالخوف من عدو وسبع وهدم وغرق ونحو ذلك، فهذا لا يذم وهو الذي ذكره الله عن موسى عليه الصلاة والسلام في قوله: {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ} ٦.

إذا تبين هذا فمعنى قوله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ} ٧، أي: يخوفكم أولياءه ويوهمكم أنهم ذو بأس وشدة. قال الله تعالى: {فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} ٨. أي: فإذا سول لكم وأوهمكم فتوكلوا على الله فإنه كافيكم وناصركم عليهم كما قال تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ


١ ابن ماجه: الفتن (٤٠٠٨ ,٤٠١٧) , وأحمد (٣/٤٧) .
٢ سورة إبراهيم آية: ١٤.
٣ سورة الرحمن آية: ٤٦.
٤ سورة الطور آية: ٢٦.
٥ سورة الإنسان آية: ٧.
٦ سورة القصص آية: ٢١.
٧ سورة آل عمران آية: ١٧٥.
٨ سورة آل عمران آية: ١٧٥.

<<  <   >  >>