للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلت: ولهذا قال ابن عباس في الآية: لم يعبد إلا الله، فإن الخوف كما قال ابن القيم: عبودية القلب، فلا يصلح إلا لله، كالذل والإنابة والمحبة والتوكل والرجاء وغيرها من عبودية القلب.

وقوله: {فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} ١. قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس يقول: إن أولئك المهتدون، كقوله: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً} ٢. وكل "عسى" في القرآن فهي واجبة. وتضمنت الآية أن من عَمَّر المساجد من المسلمين بالعبادة، هو من المؤمنين كما في حديث: "إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان" قال الله: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} ٣". رواه أحمد والترمذي والحاكم.

قال وقوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ ... } ٤.

قال ابن كثير: "يقول تعالى مخبرًا عن قوم من الذين يدعون الإيمان بألسنتهم ولم يثبت الإيمان في قلوبهم بأنهم إذا جاءتهم محنة في الدنيا اعتقدوا أنها من نقمة الله بهم، فارتدوا عن الإسلام". قال ابن عباس: "يعني فتنته أن يرتد عن دينه إذا أوذي في الله". وقال ابن القيم:"الناس إذا أرسل إليهم الرسل بين أمرين: إما أن يقول أحدهم: آمنا، وإما أن لا يقول ذلك، بل يستمر على السيئات والكفر، فمن قال: آمنا امتحنه ربه وابتلاه وفتنه، والفتنة: الابتلاء والاختبار، ليتبين الصادق من الكاذب، ومن لم يقل: آمنا فلا يحسب أنه يعجز الله ويفوته ويسبقه فمن آمن بالرسل وأطاعهم، عاداه أعداؤهم وآذوه، فابتلي بما يؤلمه، ومن لم يؤمن بهم، ولم يطعهم، عوقب في الدنيا والآخرة، وحصل له ما يؤلمه، وكان هذا الألم أعظم وأدوم من ألم اتباعهم، فلا بد من حصول الألم لكل نفس آمنت، أو رغبت عن الإيمان، لكن المؤمن يحصل له الألم في الدنيا ابتداء، ثم تكون له العاقبة في الدنيا والآخرة،


١ سورة التوبة آية: ١٨.
٢ سورة الإسراء آية: ٧٩.
٣ الترمذي: الإيمان (٢٦١٧) , وابن ماجه: المساجد والجماعات (٨٠٢) , وأحمد (٣/٧٦) , والدارمي: الصلاة (١٢٢٣) .
٤ سورة العنكبوت آية: ١٠.

<<  <   >  >>