للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالشفاعة بإذنه من نعمه، فهو المنعم بالشفاعة، وهو المنعم بقبولها، وهو المنع بتأهيل المشفع له، إذ ليس كل أحد أهلاً أن يشفع له. فمن المنعم على الحقيقة سواه؟ قال تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} ١. فالعبد لا خروج له عن نعمة الله وفضله ومنته وإحسانه طرفة عين، لا في الدنيا ولا في الآخرة، ولهذا ذم سبحانه وتعالى من آتاه شيئًا من نعمه ف {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} ٢.

قال المصنف: وقال أبو العباس بعد حديث زيد بن خالد الذي فيه أن الله تعالى قال: "أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ... " ٣ الحديث. وقد تقدم وهذا كثير في الكتاب والسنة، يذم سبحانه من يضيف إنعامه إلى غيره ويشرك به. قال بعض السلف: هو كقولهم: كانت الريح طيبة، والملاح حاذقًا، ونحو ذلك مما هو جار على ألسنة كثير.

ش: قوله: "وقال أبو العباس"، هو: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

قوله: "قال بعض السلف"، لم أقف على تسمية هذا البعض.

قوله: "كانت الريح طيبة، والملاح حاذقًا"، الملاح: هو سائس السفينة.

والمعنى أن السفن إذا جرين بريح طيبة بأمر الله جريًا حسنًا نسبوا ذلك إلى طيب الريح، وحذق الملاح في سياسة السفينة، ونسوا ربهم الذي أجرى لهم الفلك في البحر رحمة بهم كما قال تعالى: {رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} ٤. فيكون نسبة ذلك إلى طيب الريح وحذق الملاح من جنس نسبة المطر إلى الأنواء. وإن كان المتكلم بذلك لم يقصد أن الريح والملاح هو الفاعل لذلك من دون خلق الله وأمره وإنما أراد أنه سبب. لكن لا ينبغي أن يضيف ذلك إلا إلى الله وحده; لأن غاية الأمر في ذلك أن يكون الريح والملاح سببًا، أو جزء سبب. ولو شاء الرب تبارك وتعالى لسلبه سببيته، فلم يكن سببًا


١ سورة النحل آية: ٥٣.
٢ سورة القصص آية: ٧٨.
٣ البخاري: الجمعة (١٠٣٨) , ومسلم: الإيمان (٧١) , والنسائي: الاستسقاء (١٥٢٥) , وأبو داود: الطب (٣٩٠٦) , وأحمد (٤/١١٧) , ومالك: النداء للصلاة (٤٥١) .
٤ سورة الإسراء آية: ٦٦.

<<  <   >  >>