أحدهما: أن ذلك لله وحده، لا شريك له، كما أنه تعالى يقسم بما شاء من مخلوقاته فكذلك هذا.
الثاني: أن قوله: "ما شاء الله وشئت"، تشريك في مشيئة الله، وأما الآية فإنما أخبر بها عن فعلين متغايرين، فأخبر تعالى أنه أغناهم وأن رسوله أغناهم. وهو من الله حقيقة، لأنه الذي قدر ذلك، ومن الرسول صلى الله عليه وسلم حقيقة باعتبار تعاطي الفعل، وكذا الإنعام أنعم الله على زيد بالإسلام، والنبي صلى الله عليه وسلم أنعم عليه بالعتق، وهذا بخلاف المشاركة في الفعل الواحد، فالكلام إنما هو فيه، والمنع إنما هو منه.
فإن قلت: قد ذكر النحاة أن "ثم" تقتضي اشتراك المعطوف والمعطوف عليه في الحكم كالواو فلم جاز ذلك بثم؟ ومنع منه الواو. وغاية ما يقال: إن "ثم" تقتضي الترتيب بخلاف الواو، فإنها تقتضي مطلق الجمع، وهذا لا يغير صورة الاشتراك قبل النهي عن ذلك، إنما هو إذا أتى بصورة التشريك جميعًا، وهذا لا يحصل إلا بالواو بخلاف ثم، فإنها لا تقتضي الجمع، إنما تقتضي الترتيب، فإذا أتى بها زالت صورة التشريك والجمع في اللفظ. وأما المعنى، فلله تعالى ما يختص به من المشيئة، وللمخلوق ما يختص به، فلو أتى بثم وأراد أنه شريك لله تعالى في المشيئة كلولا الله ثم فلان، مثلاً لم يوجد ذلك فالنهي باق بحاله، بل يكون في هذه الصورة أشد ممن أتى بالواو مع عدم هذا الاعتقاد. ويشبه ذلك الجمع بين اسم الله واسم غيره في ضمير واحد، ولهذا "أنكره النبي صلى الله عليه وسلم على الخطيب قال: ومن يعصهما فقد غوى، فقال له: بئس الخطيب أنت" ١.
قوله:"فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: ورب الكعبة"، تقدم ما يتعلق بالحلف بغير الله قريبًا.
وفي الحديث من الفوائد: معرفة اليهود بالشرك الأصغر، وكثير ممن يدعي الإسلام لا يعرف الشرك الأكبر، بل يصرف خالص العبادات من الدعاء والذبح، والنذر لغير الله ويظن أن ذلك
١ مسلم: الجمعة (٨٧٠) , والنسائي: النكاح (٣٢٧٩) , وأبو داود: الصلاة (١٠٩٩) والأدب (٤٩٨١) , وأحمد (٤/٢٥٦ ,٤/٣٧٩) .