الدهر وهو الليل والنهار، ويقولون: أصابتهم قوارع الدهر، وأبادهم الدهر. فيجعلون الليل والنهار يفعلان الأشياء، فيذمون الدهر بأنه الذي يفنيهم، ويفعل بهم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا الدهر" ١. على أنه الذي يفنيكم والذي يفعل بكم هذه الأشياء، فإنكم إذا سببتم فاعل هذه الأشياء، فإنما تسبون الله تبارك وتعالى، فإنه فاعل هذه الأشياء. انتهى.
قلت: والظاهر أن المشركين نوعان.
أحدهما: من يعتقد أن الدهر هو الفاعل، فيسبه لذلك. فهؤلاء هم الدهرية.
الثاني: من يعتقد أن المدبر للأمور هو الله وحده لا شريك له، ولكن يسبون الدهر لما يجري عليهم فيه من المصائب والحوادث، فيضيفون ذلك إليه من إضافة الشيء إلى محله، لا لأنه عندهم فاعل لذلك.
والحديث صريح في النهي عن سب الدهر مطلقًا، سواء اعتقد أنه فاعل أو لم يعتقد ذلك، كما يقع كثيرًا ممن يعتقد الإسلام.
كقول ابن المعتز:
يا دهر ويحك ما أبقيت لي أحدًا ... وأنت والد سوء تأكل الولدا.
وقول أبي الطيب:
قبحا لوجهك يا زمان كأنه ... وجه له من كل قبح برقع.
وقول الطرفي:
إن تبتلى بلئام الناس يرفعهم ... عليك دهر لأهل الفضل قد خانا.
وقول الحريري:
ولا تأمن الدهر الخئون ومكره ... فكم خامل أخنى عليه ونابه.
ونحو ذلك كثير. وكل هذا داخل في الحديث.
قال ابن القيم: وفي هذا ثلاث مفاسد عظيمة:
أحدها: سبه من ليس أهلاً للسب، فإن الدهر خلق مسخر من
١ البخاري: تفسير القرآن (٤٨٢٦) , ومسلم: الألفاظ من الأدب وغيرها (٢٢٤٦) , وأبو داود: الأدب (٥٢٧٤) , وأحمد (٢/٢٣٨ ,٢/٢٥٩ ,٢/٢٧٢ ,٢/٢٧٥ ,٢/٣١٨ ,٢/٣٩٤ ,٢/٣٩٥ ,٢/٤٩١ ,٢/٤٩٦ ,٢/٤٩٩) , ومالك: الجامع (١٨٤٦) .