الملائكة الحارث، وكان مراده أن سمياه بذلك، ليكون قد وجد له صورة الإشراك به، فإن هذا من باب كيد إبليس إذا عجز عن الآدمي أن يوقعه في المعصية الكبيرة، قنع منه بالصغيرة، وأيضًا فإنه يحصل له منهما طاعته كما أطاعا أول مرة، كما روى ابن جرير، وابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خدعهما مرتين" قال: زيد خدعهما في الجنة وخدعهما في الأرض.
قوله:"فأبيا أن يطيعاه فخرج ميتًا". إلخ. هذا والله أعلم من الامتحان فإن الإنسان لا عزم له، وإن عاين ماذا عساه أن يعلن من الآيات إلا بتوفيق الله تعالى. فإن الطبيعة البشرية تغلب عليه كما غلبت على الأبوين مرتين، مع ما وقع لهما قبل من التحذير والإنذار عن كيد إبليس وعداوته لهما، ومع ذلك أدركهما حب الولد فسمياه عبد الحارث، وكان ذلك شركًا في التسمية وإن لم يقصدا العبادة للشيطان، بل قصدا به فيما ظنا، إما دفع شره عن حواء، وإما الخوف على الولد من الموت. كما روى عبد بن حميد، وابن أبي حاتم، عن أبي بن كعب قال:"لما حملت حواء، أتاها الشيطان فقال: أتطيعينني ويسلم ولدك؟ سميه عبد الحارث فلم تفعل فولدت فمات، ثم حملت فقال لها مثل ذلك فلم تفعل. ثم حملت الثالثة فقال: أتطيعينني يسلم لك ولدك وإلا فإنه يكون بهيمة فهيبها فأطاعاه". رواه ابن أبي حاتم. قلت: وإسناده صحيح. ورواه سعيد ابن منصور وابن المنذر. وعن ابن عباس قال:"كانت حواء تلد لآدم أولادًا فتعبدهم لله، وتسميه عبد الله وعبيد الله ونحو ذلك فيصيبهم الموت، فأتاها إبليس وآدم فقال: إنكما لو تسميانه بغير ما تسميانه لعاش، فولدت له رجلاً فسمياه عبد الحارث ففيه أنزل {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ... } إلى آخر الآية". رواه ابن مردويه.
قوله: شركاء في طاعته ولم يكن في عبادته، أي: لكونهما أطاعاه في التسمية بعبد الحارث، لا أنهما عبداه فهو دليل على