للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويحقق رغبته، ويتيقن الإجابة، فإنه إذا فعل ذلك دل على علمه بعظيم ما يطلب من المغفرة والرحمة، وعلى أنه مفتقر إلى ما يطلب مضطر إليه، وقد وعد الله المضطر بالإجابة بقوله: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} ١.

قوله:"فإنه لا مكره له". أي: فإن الله لا مكره له. هذا لفظ البخاري في الدعوات، ولفظ مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يقولن أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم المسألة في الدعاء، فإن الله صانع ما شاء، لا مكره له" ٢. قال القرطبي: هذا إظهار لعدم فائدة تقبل الاستغفار والرحمة بالمشيئة. كأن الله تعالى لا يضطره إلى فعل شيء دعاء ولا غيره، بل يفعل ما يريد ويحكم ما يشاء. ولذلك قيد الله تعالى الإجابة بالمسألة في قوله: {فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ} ٣. فلا معنى لاشتراط المشيئة بقيله.

قوله:"ولمسلم" أي: من وجه آخر.

قوله:"وليعظم الرغبة" هو بالتشديد، فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه يقال: تعاظم زيد هذا الأمر، أي: كبر عليه وعسر. قال: والرغبة يعني الطلبة والحاجة التي يريد.

وقيل: السؤال والطلب بتكرار الدعاء والإلحاح فيه، والأول أظهر، أي: لسعة جوده وكرمه، لا يعظم عليه إعطاء شيء، بل جميع الموجودات في أمره يسير، وهو أكبر من ذلك، وهذا هو غاية المطالب، فالاقتصار على الداني في المسألة إساءة ظن بجوده وكرمه.


١ سورة النمل آية: ٦٢.
٢ البخاري: الدعوات (٦٣٣٩) والتوحيد (٧٤٧٧) , ومسلم: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (٢٦٧٩) , والترمذي: الدعوات (٣٤٩٧) , وأبو داود: الصلاة (١٤٨٣) , وابن ماجه: الدعاء (٣٨٥٤) , وأحمد (٢/٢٤٣ ,٢/٣١٨ ,٢/٤٥٧ ,٢/٤٦٣ ,٢/٤٨٦ ,٢/٥٠٠ ,٢/٥٣٠) , ومالك: النداء للصلاة (٤٩٤) .
٣ سورة الأنعام آية: ٤١.

<<  <   >  >>