للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي، ولجعلتها عمرة؟ " ١. قيل: هذا كقوله: "لولا حدثان قومك بالكفر" ٢. ونحوه مما هو خبر عن مستقبل لا اعتراض فيه على قدر، بل هو إخبار لهم أنه لو استقبل الإحرام بالحج; ما ساق الهدي ولا أحرم بالعمرة، بقوله لهم لما أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة حثًا لهم وتطييبًا لقلوبهم لما رآهم توقفوا في أمره، فليس من المنهي عنه، بل هو إخبار لهم عما كان يفعل في المستقبل لو حصل، ولا خلاف في جواز ذلك، وإنما ينهى عن ذلك في معارضة القدر مع اعتقاد أن ذلك المانع لو يقع لوقع خلاف المقدور.

قوله:"فإن لو تفتح عمل الشيطان"، أي: من الجزع والعجز واللوم والسخط من القضاء والقدر ونحو ذلك، ولهذا من قالها على وجه النهي عنه، فإن سلم من التكذيب بالقضاء والقدر لم يسلم من المعاندة له، واعتقاد أنه لو فعل ما زعم لم يقع المقدور ونحو ذلك، وهذا من عمل الشيطان.

فإن قيل: ليس في هذا رد للقدر ولا تكذيب به، إذ تلك الأسباب التي تمناها من القدر، فهو يقول: لو أني وقفت لهذا القدر لاندفع به عني ذلك القدر، فإن القدر يدفع بعضه ببعض.

قيل: هذا حق، ولكن ينفع قبل وقوع القدر المكروه، فأما إذا ما وقع فلا سبيل إلى دفعه، وإن كان له سبب إلى دفعه أو تخفيفه بقدر آخر، فهو أولى به من قول: لو كنت فعلت، بل وحقيقته في هذه الحال أن يستقبل فعله الذي يدفع به المكروه، ولا يتمنى ما لا مطمع في وقوعه، فإنه عجز محض والله يلوم على العجز، ويحب الكيس ويأمر به، والكيس مباشرة الأسباب التي ربط الله بها بمسبباتها النافعة للعبد في معاشه ومعاده. انتهى ملخصًا من كلام ابن القيم.


١ البخاري: الجهاد والسير (٢٨٥٦) واللباس (٥٩٦٧) والاستئذان (٦٢٦٧) والرقاق (٦٥٠٠) والتوحيد (٧٣٧٣) , ومسلم: الإيمان (٣٠) , والترمذي: الإيمان (٢٦٤٣) , وابن ماجه: الزهد (٤٢٩٦) , وأحمد (٥/٢٢٨ ,٥/٢٣٠ ,٥/٢٣٤ ,٥/٢٣٦ ,٥/٢٣٨ ,٥/٢٤٢) .
٢ الترمذي: العلم (٢٦٦٣) , وأبو داود: السنة (٤٦٠٥) , وابن ماجه: المقدمة (١٣) .

<<  <   >  >>