للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإذا كان هذا فيمن صور صورة على مثال ما خلقه الله تعالى من الحيوان، فكيف بحال من سوى المخلوق برب العالمين، وشبهه بخلقه، وصرف له شيئا من العبادة التي ما خلق الله الخلق إلا ليعبدوه وحده بما لا يستحقه غيره من كل عمل يحبه الله من العبد ويرضاه؟!

فتسوية المخلوق بالخالق بصرف حقه لمن لا يستحقه من خلقه، وجعله شريكًا له فيما اختص به تعالى وتقدس، هو أعظم ذنب عصي الله تعالى به. ولهذا أرسل رسله، وأنزل كتبه، لبيان هذا الشرك والنهي عنه، وإخلاص العبادة بجميع أنواعها لله تعالى. فنجى الله تعالى رسله ومن أطاعهم، وأهلك من جحد التوحيد، واستمر على الشرك والتنديد، فما أعظمه من ذنب! {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} ١ {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} ٢.

قال المصنف رحمه الله تعالى: ولمسلم (٩٦٩) عن أبي الهياج، قال: قال لي عليّ: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ "ألاّ تدع صورة إلا طمستها، ولا قبراً مشرفاً إلاّ سويته".

قوله:"ولمسلم عن أبي الهياج الأسدي" - حيان بن حصين -.

قال: قال لي علي رضي الله عنه. هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

قوله:"ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ "أن لا تدع صورة إلا طمستها، ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته".

فيه تصريح بأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عليًّا لذلك. أما الصور: فلمضاهاتها لخلق الله، وأما تسوية القبور، فلما في تعليتها من الفتنة بأربابها وتعظيمها، وهو من ذرائع الشرك ووسائله، فصرف الهمم إلى هذا وأمثاله من مصالح الدين ومقاصده وواجباته.

ولما وقع التساهل في هذه الأمور وقع المحذور، وعظمت


١ سورة النساء آية: ٤٨.
٢ سورة الحج آية: ٣١.

<<  <   >  >>