للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ترابها؛ كما روى أبو داود عن جابر أيضًا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "نهى أن يجصص القبر، أو يكتب عليه، أو يزاد عليه" ١. وهؤلاء يزيدون عليه الآجر والجص والأحجار. قال إبراهيم النخعي: كانوا يكرهون الآجر على قبورهم.

والمقصود أن هؤلاء المعظمين للقبور، المتخذينها أعيادًا، الموقدين عليها السرج، الذين يبنون عليها المساجد والقباب مناقضون لما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم محادون لما جاء به، وأعظم ذلك اتخاذها مساجد، وإيقاد السرج عليها وهو من الكبائر، وقد صرح الفقهاء من أصحاب أحمد وغيرهم بتحريمه. قال أبو محمد المقدسي: "ولو أبيح اتخاذ السرج عليها لم يلعن من فعله، ولأن فيه تضييعًا للمال في غير فائدة، وإفراطًا في تعظيم القبور أشبه تعظيم الأصنام". قال: "ولا يجوز اتخاذ المساجد على القبور لهذا الخبر، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا" ٢. متفق عليه. ولأن تجصيص القبور بالصلاة عندها يشبه تعظيم الأصنام بالسجود لها والتقرب إليها، وقد روينا أن ابتداء عبادة الأصنام تعظيم الأموات باتخاذ صورهم والتمسح بها والصلاة عندها". انتهى.

وقد آل الأمر بهؤلاء الضلال المشركين إلى أن شرعوا للقبور حجًا، ووضعوا لها مناسك، حتى صنف بعض غلاتهم في ذلك كتابًا سماه"مناسك حج المشاهد"، مضاهاة منه بالقبور للبيت الحرام، ولا يخفى أن هذا مفارقة لدين الإسلام، ودخول في دين عباد الأصنام، فانظر إلى هذا التباين العظيم بين ما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقصده من النهي عما تقدم ذكره في القبور، وبين ما شرعه هؤلاء وقصدوه.

ولا ريب أن في ذلك من المفاسد ما يعجز عن حصره. فمنها:

تعظيم الموقع في الافتتان بها.

ومنها: اتخاذها أعيادًا.

ومنها: السفر


١ مسلم: الجنائز (٩٧٠) , والترمذي: الجنائز (١٠٥٢) , والنسائي: الجنائز (٢٠٢٧) , وأبو داود: الجنائز (٣٢٢٥) , وابن ماجه: ما جاء في الجنائز (١٥٦٢ ,١٥٦٣) , وأحمد (٣/٢٩٥ ,٣/٣٣٢ ,٣/٣٣٩) .
٢ البخاري: الصلاة (٤٣٦) , ومسلم: المساجد ومواضع الصلاة (٥٣١) , والنسائي: المساجد (٧٠٣) , وأحمد (١/٢١٨ ,٦/٣٤ ,٦/٨٠ ,٦/١٢١ ,٦/١٤٦ ,٦/٢٥٢ ,٦/٢٥٥ ,٦/٢٧٤) , والدارمي: الصلاة (١٤٠٣) .

<<  <   >  >>