وإذلال آخرين، وإنشاء ملك وسلب ملك، وتحويل نعمة من محل إلى محل وقضاء الحاجات على اختلافها وتبيانها وكثرتها; من جبر كسير، وإغناء فقير، وشفاء مريض، وتفريج كرب، ومغفرة ذنب، وكشف ضر، ونصر مظلوم، وهداية حيران، وتعليم جاهل ورد آبق، وأمان خائف، وإجارة مستجير، ومدد لضعيف، وإغاثة لملهوف، وإعانة لعاجز، وانتقام من ظالم، وكف لعدوان، فهي مراسيم دائرة بين العدل والفضل والحكمة والرحمة، تنفذ في أقطار العوالم، لا يشغله سمع شيء منها من سمع غيره، ولا تغلطه كثرة المسائل والحوائج على اختلاف لغاتها وتباينها واتحاد وقتها، ولا يتبرم بإلحاح الملحين، ولا تنقص ذرة من خزائنه، {لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ، [آل عمران، من الآية: ٦، و١٨] . فحينئذ يقوم القلب بين يدي الرحمن مطرقًا لهيبته، خاشعًا لعظمته، عاليًا لعزته، فيسجد بين يدي الملك الحق المبين سجدة لا يرفع رأسه منها إلى يوم المزيد، فهذا سفر القلب وهو في وطنه وداره ومحل ملكه، وهذا من أعظم آيات الله، وعجائب صنعه، فيا له من سفرٍ ما أبركَه وأروحه! وأعظم ثمرته وربحه! وأجل منفعته وأحسن عاقبته! سفر هو حياة الأرواح، ومفتاح السعادة، وغنيمة العقول والألباب لا كالسفر الذي هو قطعة من العذاب" اهـ كلامه رحمه الله.
وأما الاستشفاع بالرسول صلى الله عليه وسلم في حياته، فالمراد به استجلاب دعائه وليس خاصًا به صلى الله عليه وسلم بل كل حي صالح يرجى أن يستجاب له، فلا بأس أن يطلب منه أن يدعو للسائل بالمطالب الخاصة أو العامة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر لما أراد أن يعتمر من المدينة: "لا تنسنا يا أخيّ من صالح دعائك" ١. وأما الميت، فإنما يشرع في حقه الدعاء له على جنازته وعلى قبره وفي غير ذلك. وهذا هو الذي يشرع في حق الميت.
وأما دعاؤه، فلم يشرع، بل قد دل الكتاب والسنة على النهي عنه والوعيد عليه، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ
١ الترمذي: الدعوات (٣٥٦٢) , وأبو داود: الصلاة (١٤٩٨) , وابن ماجه: المناسك (٢٨٩٤) .