للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قولكم، ولا يستجرينكم الشيطان" ١. رواه أبو داود بسند جيد. وعن أنس رضي الله عنه أن أناسًا قالوا: يا رسول الله، يا خيرنا، وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا. فقال: "يا أيها الناس، قولوا بقولكم ولا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد عبد الله ورسوله، ما أحب أن ترفعوني فوق منْزلتي التي أنزلني الله عزّ وجل" ٢. رواه النسائي بسند جيد.

فيه مسائل:

الأولى: تحذير الناس من الغلو.

الثانية: ما ينبغي أن يقول من قيل له: أنت سيدنا

الثالثة: قوله:"لا يستجرينكم الشيطان"مع أنهم لم يقولوا إلا الحق.

الرابعة: قوله"ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي".

قوله: باب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد وسده طرق الشرك.

حمايته صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد عما يشوبه من الأقوال والأعمال التي يضمحل معها التوحيد أو ينقص، وهذا كثير في السنة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم كقوله: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله" ٣.

وتقدم قوله: "إنه لا يستغاث بي، وإنما يستغاث بالله عز وجل"، ونحو ذلك. ونهى عن التمادح وشدد القول فيه، كقوله لمن مدح إنسانًا: "ويلك قطعت عنق صاحبك ... " الحديث. أخرجه أبو داود عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه أن رجلاً أثنى على رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: "قطعت عنق صاحبك ثلاثًا". وقال: "إذا لقيتم المداحين، فاحثوا في وجوههم التراب" ٤. أخرجه مسلم والترمذي وابن ماجة عن المقداد ابن الأسود.

وفي هذا الحديث نهى عن أن يقولوا: أنت سيدنا، وقال: "السيد الله تبارك وتعالى". ونهاهم أن يقولوا: وأفضلنا فضلاً وأعظمنا طولاً. وقال: "لا يستجرينكم الشيطان".

وكذلك قوله في حديث أنس أن ناسًا قالوا: يا رسول الله، يا خيرنا وابن خيرنا وسيّدنا وابن سيّدنا. فقال:"يا أيّها النّاس، قولوا: بقولكم، ولا يستهوينكم الشّيطان ... " إلخ. كره صلى الله عليه وسلم أن يواجهوه بالمدح فيفضي بهم إلى الغلو، وأخبر صلى الله عليه وسلم أن مواجهة المادح للممدوح بمدحه - ولو بما هو فيه - من عمل الشيطان، لما تقضي محبة المدح إليه من تعاظم الممدوح في نفسه، وذلك ينافي كمال التوحيد.


١ أبو داود: الأدب (٤٨٠٦) , وأحمد (٤/٢٥) .
٢ أحمد (٣/٢٤٩) .
٣ البخاري: أحاديث الأنبياء (٣٤٤٥) , وأحمد (١/٢٣) .
٤ مسلم: الزهد والرقائق (٣٠٠٢) , والترمذي: الزهد (٢٣٩٣) , وأبو داود: الأدب (٤٨٠٤) , وابن ماجه: الأدب (٣٧٤٢) , وأحمد (٦/٥) .

<<  <   >  >>