قال: ولمسلم عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئًا دخل النار" ١.
ش: جابر: هو ابن عبد الله بن عمرو بن حرام ـ بمهملتين ـ الأنصاري ثم السلمي بفتحتين، صحابي جليل مكثر، ابن صحابي، له ولأبيه مناقب مشهورة رضي الله عنهما. مات بالمدينة بعد السبعين، ـ وقد كف بصره ـ وله أربع وتسعون سنة.
قوله:"من لقي الله لا يشرك به شيئًا". قال القرطبي: أي: من لم يتخذ معه شريكًا في الإلهية ولا في الخلق، ولا في العبادة. ومن المعلوم ـ من الشرع المجمع عليه عند أهل السنة ـ أن من مات على ذلك، فلا بد له من دخول الجنة، وإن جرت عليه قبل ذلك أنواع من العذاب والمحنة، وإن مات على الشرك لا يدخل الجنة ولا يناله من الله رحمة، ويخلد في النار أبد الآباد من غير انقطاع عذاب، ولا تصرم آماد، وهذا معلوم ضروري من الدين، مجمع عليه بين المسلمين.
وقال النووي: أما دخول المشرك إلى النار، فهو على عمومه، فيدخلها ويخلد فيها، ولا فرق فيه بين الكتابي اليهودي والنصراني، وبين عبدة الأوثان وسائر الكفرة من المرتدين والمعطلين، ولا فرق عند أهل الحق بين الكافر عنادًا وغيره، ولا بين من خالف ملة الإسلام، وبين من انتسب إليها ثم حكم بكفره بجحده وغير ذلك. وأما دخول من مات غير مشرك الجنة، فهو مقطوع له به، لكن إن لم يكن صاحب كبيرة مات مصرًا عليها دخل الجنة أولاً، وإن كان صاحب كبيرة مات مصرًا عليها، فهو تحت المشيئة، فإن عفا عنه دخل الجنة أولاً، وإلا عذب في النار ثم أخرج فيدخل الجنة.
وقال غيره: اقتصر على نفي الشرك لاستدعائه التوحيد بالاقتضاء، واستدعائه إثبات الرسالة باللزوم، إذ من كذب رسل الله، فقد كذب الله، ومن كذب الله، فهو مشرك، وهو قولك: من توضأ صحت صلاته، أي مع سائر الشروط، فالمراد من مات حال كونه مؤمنًا بجميع