ولا يدع التوفيق يقودك اختياراً إليه، وإنما أشرنا إلى المسألتين إشارة تطلع العالم على ما وراءها. وبالله التوفيق.
[فصل]
فانظر إلى المسألتين، فهذه المسألة كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وبعض خلافة عمر، حتى قيل: إنه إجماع، والنصوص مانعة من التحليل، مصرحةٌ بلعن فاعله، وفيه أحاديث كثيرة جداً، والسلف مجمعون عليها، والإجماع على أنه محرم، ثم صار على عهد عمر: الثلاث ثلاث، والتحليل ممنوع منه، وعمر من أشد الصحابة فيه، وكلهم على مثل قوله فيه، ثم صار في هذه الأزمنة التحليل كثيراً مشهوراً، والثلاث ثلاث.
وعلى هذا فيمتنع في هذه الأزمنة معاقبة الناس بمعاقبة عمر من وجهين:
أحدهما: أن أكثرهم لا يعلم أن جمع الثلاث حرام، لاسيما وكثير من الفقهاء لا يرى تحريمه، فكيف يعاقب من لم يرتكب محرماً عند نفسه؟
الثاني: أن عقوبتهم بذلك تفتح عليهم باب التحليل الذي كان مسدوداً على عهد الصحابة، والعقوبة إذا تضمنت مفسدة أكثر من الفعل المعاقب عليه، كان تركها أحب إلى الله ورسوله. ولو فرضنا أن التحليل مما أباحته الشريعة -ومعاذ الله- لكان المنع منه إذا وصل إلى هذا الحد الذي قد تفاحش قبحه من باب سد الذرائع، وتعين على المفتين والقضاة المنع منه جملة، وإن فرض أن بعض أفراده جائز؛ إذ لا يستريب أحد في أن الرجوع إلى ما كان عليه الصحابة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وصدراً