فمثلاً في منهاج السنة يثبت فضائل أبي بكر وعمر بالتواتر المعنوي، وأن ذلك حصل في وقائع كثيرة، مجموع هذه الوقائع تفيد العلم الضروري القطعي، وإن لم تكن مفرداتها كذلك، المقصود أن الأخبار متفاوتة عند جميع العقلاء، متفاوتة فخبر الواحد ليس كخبر الاثنين، وخبر الاثنين ليس كخبر الثلاثة، وخبر الثلاثة ليس كخبر المائة فهي متفاوتة، وخبر الثقة الثبت ليس كخبر من دونه وهكذا، تختلف الأخبار قوة وضعفاً تبعاً لاختلاف الرواة كماً وكيفاً، عدداً ووصفاً، فالقراءة لا تثبت بالضعيف اتفاقاً.
والصحيح الذي توافرت فيه شروط الصحيح: وهو ما نقله عدل تام الضبط بسند متصل غير معل ولا شاذ، هذا هو الصحيح عند أهل العلم.
الأول المتصل الإسنادِ ... بنقل عدل ضابط الفؤادِ
عن مثله من غير ما شذوذِ ... وعلة قادحة فتوذي
هذا هو الصحيح، هذا هو الصحيح، هل تثبت القراءة إذا توافرت هذه الشروط: عدالة الرواة، تمام ضبطهم، اتصال السند، انتفاء الشذوذ والعلة؟ هل تثبت القراءة بهذا؟ قال بذلك جمع من أهل العلم، وممن نصره ابن الجزري، وبالغ في الرد على مخالفيه، والأكثر على أن القراءة لا تثبت بهذا، بل لا بد أن تثبت بطريق قطعي ملزم؛ لأن القرآن شأنه عظيم.
قد يقول قائل: لو بحثنا في الأسانيد التي وردت فيها هذه القراءات بما في ذلك القراءات السبع أو العشر لا نجد من الطرق ما يكتمل به العدد الذي يطلب للتواتر، قلنا: أولاً: الصحابة أجمعوا على ما بين الدفتين وإجماعهم حجة قطعية ملزمة، لم يخالف منهم أحد، لم يخالف منهم أحد، هذا من جهة، الوجه الثاني: أن التواتر لا يلزم فيه نقل هذا التعدد، بل من التواتر ما يسمى تواتر الطبقة، بمعنى أن هذا القرآن المحفوظ بين الدفتين تلقته الأمة كافة عن كافة، الأمة بكاملها، تلقاه جبريل عن الله -عز وجل-، تقلاه النبي -عليه الصلاة والسلام- عن جبريل، تلقاه الصحابة وهم جمع غفير عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم بعدهم التابعون تلقوه، هذا تواتر طبقة بعد طبقة إلى يومنا هذا، والقرآن يروى بهذه الطريقة، وينقل إلينا كما نزل بهذه الطريقة.