للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فاليوم قد بتّ تهجونا وتشتمنا ... فاذهب فما بك والأيّام من عجب

«١» وليس في القرآن- بحمد الله- موضع اضطرار. هذا احتجاج البصريين.

فأمّا الكوفيون فأجازوا الخفض، واحتجّوا للقارئ بأنه أضمر الخافض، واستدلوا بأن (العجاج) «٢» كان إذا قيل له: كيف تجدك؟ يقول: خير عافاك الله، يريد: بخير.

وقال بعضهم: معناه. واتقوه في الأرحام أن تقطعوها.

وإذا كان البصريون لم يسمعوا الخفض في مثل هذا ولا عرفوا إضمار الخافض فقد عرفه غيرهم، وأنشد:

رسم دار وقفت في طلله ... كدت أقضي الحياة من خلله

«٣» أراد: وربّ رسم دار إلّا أنهم مع إجازتهم ذلك، واحتجاجهم للقارئ به يختارون النصب في القراءة.

قوله تعالى: الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً «٤». يقرأ بإثبات الألف، وطرحها. وهما لغتان، وأصل الياء فيهما واو، وقلبت ياء لكسرة ما قبلها كما قالوا: ميعاد وميزان.

فالحجة لمن أثبت الألف: أن الله تعالى جعل الأموال قياما لأمور عباده. والحجة لمن طرحها:

أنه أراد: جمع قيمة، لأن الأموال قيم لجميع المتلفات.

فإن قيل: فإن (التي) اسم واحد والأموال جمع، فقل: إن كلّ جمع خالف الآدميّين كان كواحده المؤنث، لأن لفظه وإن كان جمعا كلفظ الواحد. ومنه قوله: حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ «٥». فإن قيل: فهلّا كان في التثنية كذلك؟ فقل: لما صح لفظ التثنية ومعناها اقتصروا فيها على لفظ واحد، ولما وقع الجمع بألفاظ في القلّة والكثرة اتسعوا فيه لاتساع معانيه.


(١) انظر (إعراب القرآن لأبي جعفر النحاس ورقة: ٢١٦). (الكامل في اللغة والأدب لأبي العباس المبرد ٢: ٧٤٩).
(الإنصاف ١: ٣٩٢). (الدرر اللوامع ١: ٩٠، ٢: ١٩٢). (شرح المفصل ٣: ٧٨). (الكتاب لسيبويه ١: ٣٩٢) (مفاتيح الغيب للإمام محمد الرازي ١: ١٣١).
(٢) العجاج: اسمه عبد الله بن رؤبة، أحد بني سعد بن مالك بن سعد بن زيد مناة بن تميم (طبقات فحول الشعراء:
٥٧١)، و (معجم الأدباء ١١: ١٥٠).
(٣) انظر: (الإنصاف ١: ٣٧٨. الدرر اللوامع ١: ٢١١. الخزانة: ٤: ١٩٩، وشرح المفصل ٣: ٢٨).
(٤) النساء: ٥.
(٥) النمل: ٦٠.

<<  <   >  >>