وأمّا الأدلة التي ذكرها الأستاذ العابد ليناقض بها أدلتي، فإني أنقدها على الوجه التالي:
(١) ذكرت أنّ تلمذة ابن خالويه لابن مجاهد فرضت عليه أن يحيا في الدراسات القرآنية، ويتمكن منها، ويلم بالقراءات، ويدافع عنها، وأنه ألّف الحجة في القراءات السّبع لينافس به كتاب الحجة الذي ألّفه أبو عليّ الفارسيّ، وأنّ عدم ذكر الحجة لابن خالويه في كتب الطبقات يرجع إلى أنّ الكتاب في القراءات، فاستغنوا بذكرها عن كلمة الحجة.
ولكن هذا الدّليل لم يقنع الأستاذ العابد «لأن كونه من تلامذة ابن مجاهد وكونه برع في الدراسات القرآنية، وألّف فيها كتبا لا يكفي ذلك دليلا على إثبات نسبة كتاب الحجّة له، وأمّا كونه ليس بدعا أن يؤلف في الموضوع كما فعل معاصروه أبو عليّ وغيره فصحيح، ولكن المسألة مسألة إثبات لا مسألة احتمال وتخمين ... ».
أقول:
إن تلمذة ابن خالويه لابن مجاهد، وبراعة ابن خالويه في الدّراسات القرآنية حيث ألف كتبا في هذا المجال نصّت عليها كتب الطبقات ككتاب: إعراب ثلاثين سورة، والبديع في القراءات، ومختصر شواذ القراءات، وكتاب مجدول في القراءات ألفه لعضد الدولة، أقول: إن هذا كله يشير إلى أن كتاب الحجة موضع القضية نسبته إلى ابن خالويه صحيحة.
وقد قلت في بحثي المنشور في مجلة «اللسان العربي» بصدد عدم ذكر هذه التّسمية في كتب الطبقات: إن شهرة كتاب الحجة للفارسيّ غطّت على شهرة الحجة لابن خالويه حيث اشتغل الناس به قراءة وتلخيصا كما فعل أبو محمّد مكّي بن أبي طالب في كتابه:
المنتخب في اختصار كتاب الحجة للفارسي وغيره.
ومن الجلي أن أصحاب كتب الطّبقات، وابن خالويه نفسه أشاروا إلى أن له كتابا في القراءات، فأين ذهب هذا الكتاب؟ لا يمكن أن يكون كتاب القراءات المصور بمعهد المخطوطات بالجامعة العربية رقم ٥٢ قراءات، لأن منهج ابن خالويه فيه يقوم على الاستطراد والإطناب، إذ يتحدث عن تفسير الآيات، وأسباب نزولها، ويحشد قصصا عديدة في مناسبات مختلفة، وليست القراءات فيها، والاحتجاج بها إلا جزءا يسيرا من هذا المنهج، فكتابه في حقيقة أمره كتاب تفسير لا قراءات، شأنه شأن كتب التفسير التي تتعرض لهذه