ألا قدْ أرَى أن لا بقيَّةَ للدَّهْرِ ... ولا خيرَ في الأيَّام بعدَ أبي بَكْرِ
أبعدَ ابن عبد اللهِ أبكى لهالكٍ ... وأحفِلُ ما تأتي به نَوْبَةُ الدهْرِ
قَريعِ بني فِهْرٍ وحامِي ذِمارِهَا ... وسبَّاقِ غايات المكارمِ من فِهْرِ
ثَوَى بين أطْباقِ التُّرَاب مُخلَّفاً ... بمُوحِشةٍ غبراءَ مُظْلمِةِ القَعْرِ
لقد ضَمَّ ذاك القبرُ حِلْماً ونائلاً ... سَقَتْهُ الغيوثُ المسْتَهِلَّةُ من قَبْرِ
أقامَ به مَنْ هدَّ رُكْنِي مُقَامُهُ ... وغادَر أحزاناً تَجدَّدُ في صَدْرِي
ولو نالَ بالمجْدِ السّلامةَ واحدٌ ... فخُلِّد في الدُّنْيا خَلَدْتَ إلى الحَشرِ
فإن تكُنِ الأيّامِ نالك رَيْبُها ... فواراك منضُودٌ من التُّرْب والصخْرِ
وأخْنَى عليك الدهرُ من بعد عِزّةٍ ... فصِرْتَ غريبَ الدَّارِ بالمنزلِ القَفْرِ
فأشهدُ أنْ قد فُتَّ بالوِتر أهلهُ ... ومَا فاتكَ الأعداءُ إذْ مُتَّ بالوِتْرِ
ولا ضاعَ ثَغْرٌ كنت أنت سِدادهُ ... ولا لأنَ عند العَجْمِ عُودُك للكسْرِ
وأنْ كنتَ في الدُّنيا جمالاً ومَعْقِلاً ... تُسَاجِلُ من سَاجلتَ في العُرْفِ والنُّكْرِ
عَطُوفاً على القُرْبَى ثقيلاً على العِدَى ... جواداً لدَى المِقْرَى تَريش ولا تبْرِي
تُجازِى أخَا الوُدّ الكريمَ بوُدّهِ ... وتَجْرحُ بالنَّابِ العَدُوَّ وبالظُّفْرِ
وكم من فقيرٍ قد جَبْرتَ وعائلٍ ... وكم مِنْ أسيرٍ قد فَككْتَ من الأسْرِ
وأرمَلَةٍ تبكِي عليكَ وصِبْيَةٍ ... بوجْهِك كانوا يأمنونَ من الفقْرِ
فإن يقطع اليأسُ الرَّجَا ويفُوتُنا ... بك الدَّهْرُ يا ذا الجُودِ والنائل الغَمْرِ
فمنْ لِقراعِ الخَصْمِ في يَوْمِ مَأقِطٍ ... تَسامَى لهُ الأبْصَارُ بالنَّظَر الشَّزْرِ