فهؤلاء دخلهم الخلل من سوء المزاج وفساد الذهن بكثرة التحير في النظريات. وأما الذين سلموا الضروريات وزعموا أن الأدلة متكافئة في النظريات فإنما حملهم عليه ما رأوا من تناقض أدلة فرق المتكلمين، وما اعتراهم في بعض المسائل من شبه وإشكالات عسر عليهم حلها، فظنوا أنها لا حل لها أصلا، ولم يحملوا ذلك على قصور نظرهم وضلالهم وقلة درايتهم بطريق النظر، ولم يتحققوا شرائط النظر كما قدمناه، ونحن نذكر جملة من خيالاتهم ونحلها ليعرف أن القصور ممن ليس يحسن حل الشبه، وإلا فكل أمر إما أن يعرف وجوده ويتحقق أو يعرف عدمه ويتحقق، أو يعلم أنه من جنس ما ليس للبشر معرفته ويتحقق ذلك أيضا، ومثارات خيالهم ثلاثة أقسام: الأول: ما يرجع إلى صورة القياس؛ فمنها قول القائل: إن من أظهر ما ذكرتموه قولكم أن السالبة الكلية تنعكس مثل نفسها، فإذا قلنا لا إنسان واحد حجر واحد إنسان، وتظنون أن هذا ضروري لا يتصور أنيختلف، وهو خطأ إذ حكم الحس به في موضع فظن أنه صادق في كل موضع. فإنا نقول: لا حائط واحد في وتد ولا نقول لا وتد واحد في حائط، ونقول: لا دن واحد في شراب، ولا نقول: لا شراب واحد دن، فنقول: نحن ادعينا أن ذات المحمول مهما عكس على ذات الموضوع بعينه اقتضى ما ذكرناه