للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وسنبين وجه مناسبته له ومفارقته في كتاب أحكام الوجود وأقسامه.

وحاصل الكلام أن العلوم الأول بالمفردات تصورا وبما لها من النسب تصديقا، تحدث في النفس من الله تعالى أو من ملك من ملائكته عند حصول قوة العقل للنفس، وعند حصول مثل المحسوسات في الخيال ومطالعته لها، والقوة العقلية كأنها القوة الباصرة في العين ورؤية الجزئيات الخيالية كتحديق البصر إلى الأجسام المتلونة، وإشراق نور الملك على النفوس البشرية يضاهي إشراق نور السراج على الأجسام المتلونة أو إشراق نور الشمس عليها، وحصول العلم بنسبة تلك المفردات يضاهي حصول الأبصار بائتلاف ألوان الأجسام، ولذلك شبه الله تعالى هذا النور على طريق ضرب مثال محسوس بمشكاة فيها مصباح، وإن بان لك أن النفس جوهر قائم بنفسه ليس بجسم ولا هو منطبع في جسم كان قوله تعالى: (زيتونَةٍ لا شَرقِيَةٍ وَلا غَربِيَة) موافقة لحقيقته في براءته عن الجهات كلها، وإن لم يبين لك ذلك بطريق النظر فيكون تأويل هذا مثيل على وجه آخر. والمقصود من هذا كله أن يتضح لك وجه حصول العلوم الأولية تصورا وتصديقا، فإن معرفة ذلك من أهم الأمور وإياه قصدنا، وإن أوردناه في معرض إبطال السفسطة فهذا مدخل واحد من مداخل المتشككين وأهل الحيرة وقد كشفناه.

ومنها قولهم: أن الطريق الذي ذكرتموه في الإنتاج لا ينتفع به، لأن من علم المقدمات على شرطكم فقد عرف النتيجة مع تلك المقدمات، بل في المقدمات عين النتيجة، فإن من عرف أن الإنسان حيوان

<<  <   >  >>