إذ علم بدليل قطعي إقامة الشرع غالب الظن مقام اليقين في حق وجوب العمل، فكون الحكم مظنونا لم يمنعنا من القطع بما قطعنا به. وأما الأمور الإتفاقية كعثور الإنسان في مشيه على كنز فمهما لا يمكن أن يحصل به ظن ولا علم، إذ لو أمكن تحصل ظن بوجوده لصار غالبا أكثريا وخرج عن كونه إتفاقيا فقط.
نعم يمكن إقامة البرهان على كونه اتفاقيا فقط، وقد اصطلح المنطقيون على تخصيص إسم البرهان بما ينتج اليقين الكلي الدايم الضروري، فإن لم تساعدهم على هذا الإصطلاح أمكنك أن تسمي جميع العلوم الحقيقية برهانية إذا جمعت المقدمات الشروط التي مضت، وأن ساعدتهم على هذا، فالبرهاني من العلوم العلم بالله وصفاته وبجميع الأمور الأزلية التي لا تتغير كقولنا: الإثنان أكثر من الواحد؛ فإن هذا صادق في الأزل، والأبد والعلم بهيئة السموات والكواكب وإبعادها ومقاديرها وكيفية مسيرها يكون برهانيا عند من رأى أنها أزلية لا تتغير، ولا تكون برهانية عند أهل الحق الذين يرون أن السموات كالأرضيات في جواز تطرق التغير إليها.
وأما ما يختلف بالبقاع والأقطار كالعلوم اللغوية والسياسية إذ يختلف بالإعصار والملل، وكالأوضاع الفقهية الشرعية من تفصيل الحلال والحرام فلا يخفى أنها لا تكون من البرهانيات على هذا الإصطلاح. والفلاسفى يزعمون أن السعادة الأخروية لا معنى لها إلا بلوغ النفس كمالها الذي يمكن أن يكون لها، وإن كمالها في العلوم لا في الشهوات،