ثم الأغلب من جملتها الأبصار الذي يدرك الألوان بالقصد الأول والأشكال على سبيل الإستتباع، ثم الخيال يتصرف في المحسوسات وأكثر تصرفه في المبصرات فيركب من المرئيات أشكالا مختلفة آحادها مرئية، والتركيب من جهته، فإنك تقدر أن تتخيل فرسا له راس إنسان وطائرا له رأس فرس، ولكن لا يمكن أن تصور آحادا سوى ما شاهدته البتة حتى أنك لو أردت أن تتخيل فاكهة لم تشاهد لها نظيرا لم تقدر عليه، وإنما غايتك أن تأخذ شيئا مما شاهدته فتغير لونه مثلا كتفاحة سوداء، فإنك قد رأيت شكل التفاحة والسواد فركبتهما أو ثمرة كبيرة مثل بطيخة، فلا تزال تركب من آحاد ما شاهدت لأن الخيال يتبع الإبصار ولكنه يقدر على التركيب والتفصيل فقط، ولا يزال الخيال متحركا في التركيب والتفصيل مستوليا عليك بذلكن فمهما حصل لك معلوم بالإستدلال انبعث الخيال محدقا نظره نحوه طالبا حقيقة الأشياء عنده، ولا حقيقة عنده إلا للون أو الشكل فيطلب الشكل واللون، وهو ما يدركه البصر من الموجودات حتى لو تأملت في ذات الرائحة تأملا خياليا طلب الخيال للرائحة ولونا ووضعا وقدرا، كاذبا فيه وجاريا على مقتضى جبلته.
والعجب أنك إذ تأملت في شكل متلون لم يطلب الخيال منه طعمه ورائحته وهما حظا الشم والذوق، وإذا تأملت في ذات الطعم والرائحة طلب الخيال حظ البصر وهو اللون والشكل، مع أن الخيال يتصرف في مدركات الحواس الخمس جميعا ولكن لما كان ألفه لمدركات البصر أشد وأكثر، صار طلبه لحظ البصر أغلب وأبلغ. فإذا عرضت على نفسك عملك بصانع العالم وأنه موجود لا في جهة، طلب الخيال له لونا وقدر له قربا وبعدا واتصالا بالعالم وانفصالا إلى غير ذلك مما شاهده في الأشكال المتلونة، ولم يطلب له طعما ورائحة. ولا فرق بين الطعم والرائحة واللون والشكل، فالكل من مدركات الحواس. فإذا عرفت إنقسام الموجودات