للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمواضع الثلاثة - كما ترى - لا تشير إلى ما ذهب إليه هؤلاء بل إنها تأمر العبد بالرضاء بما قدره الله له أو عليه وأنَّ الله هو المتفرِّدُ في حكمه، وهذا لا يتنافى مع الاحتكام إلى السُنَّةِ ولا يوصل من حكم بها أو تحاكم إليها إلى دائرة الشرك بل هو عين التوحيد لأنَّ الحكم بالسُنَّة مستمد من الله بواسطة رسوله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فالحكم بها في الحقيقة والواقع حكم لله المتفرد في شؤون خلقه، فال تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (١).

وإنما كان يصح الاستدلال بهذه الآية إذا كان الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحكم ويأمر من عند نفسه وحسب هواه - وحاشاه ذلك - أما أنه لا ينطق عن الهوى وإنما يأمر بما أمره الله فإنَّ الاستدلال بهذه الآية لا يستقيم، قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي} (٢).

الشُبْهَةُ الرَابِعَةُ:

قالوا إنَّ السُنَّة لم تكن شرعًا عند النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفهمها الصحابة على هذا المنوال لذا نُهُوا عن كتابتها وقد تحدث برويز عن ذلك بقوله: «لو كانت السُنَّة جزءًا من الدين لوضع لها الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منهجًا كمنهج القرآن من الكتابة والحفظ والمذاكرة ولا يفارق الدنيا إلاَّ بعد راحة بال على هذا الجزء من الدين لأنَّ مقام النبوة يقتضي أنْ يعطي الدين لأمته على شكل محفوظ لكنه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احتاط بكل الوسائل الممكنة لكتاب الله ولم يفعل شيئًا لسُنَّته بل نهى عن كتابتها: " لاَ تَكْتُبُوا عَنِّي غَيْرَ القُرْآنِ، وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ "» (٣).


(١) [النساء: ٨٠].
(٢) [الأعراف: ٢٠٣].
(٣) رواه مسلم ولفظه: «لاَ تَكْتُبُوا عَنِّي، وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ». انظر " مسلم بشرح النووي ": ١٨/ ١٢٩.

<<  <   >  >>