للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من طرق متعددة فَسَّرَ بعضها بعضًا، فالمراد من الحديث أنه عند انقضاء مائة سَنَةٍ من قول رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لن يبقى أحد مِمَّنْ كان موجودًا في عهده - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين قال هذا النبأ.

قال ابن قتيبة: «وَنَحْنُ نَقُولُ: إِنَّ هَذَا حَدِيثٌ قَدْ أَسْقَطَ الرُّوَاةُ مِنْهُ حَرْفًا (أي كلمة)، إِمَّا لأَنَّهُمْ نَسَوْهُ، أَوْ لأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْفَاهُ، فَلَمْ يَسْمَعُوهُ. وَنَرَاهُ - بَلْ لاَ نَشُكُّ - أَنَّهُ قَالَ: " لاَ يَبْقَى عَلَى الأَرْضِ مِنْكُمْ يَوْمَئِذٍ نَفْسٌ مَنْفُوسَةٌ ". يَعْنِي، مِمَّنْ حَضَرَهُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، أَوْ يَعْنِي الصَّحَابَةَ فَأَسْقَطَ الرَّاوِي (مِنْكُم)» (١).

وعلى كل حال فإنَّ الروايات الأخرى توضح هذه الرواية، قال النووي: «هَذِهِ الأَحَادِيثُ [قَدْ] فَسَّرَ بَعْضُهَا بَعْضًا وَفِيهَا عَلَمٌ مِنْ أَعْلاَمِ النُّبُوَّةِ وَالمُرَادُ أَنَّ كُلَّ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ كَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ عَلَى الأَرْضِ لاَ تَعِيشُ بَعْدَهَا أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ سَنَةٍ سَوَاءٌ قَلَّ أَمْرُهَا قَبْلَ ذَلِكَ أَمْ لاَ؟ وَلَيْسَ فِيهِ نَفْيُ عَيْشِ أَحَدٍ يُوجَدُ بَعْدَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ فَوْقَ مِائَةِ سَنَةٍ» (٢).

ويرى الدكتور السباعي: أَنَّ بعض الصحابة «لَمْ يَفْطِنْ إِلَىَ تَقْيِيدِ الرَّسُولِ بِمَنْ هُوَ عَلَىَ ظَهْرِهَا - اليَوْمَ - فَظَنُّوهُ عَلَىَ إِطْلاَقِهِ وَأَنََّ الدُّنْيَا تَنْتَهِي بَعْدَ مِائَةِ سَنَةٍ، فَنَبَّهَهُمْ ابْنِ عُمَرَ إِلَىَ [القَيْدِ] فِي لَفْظِ الرَّسُولِ - صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيَّنَ لَهُمْ المُرَادَ مِنْهُ» (٣).

وقد استقصى العلماء من كان آخر الصحابة مَوْتًا فذكر الحافظ في " الفتح " أَنَّ أبا الطُفيل عامل بن واثلة آخر من مات من أصحاب رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّ وفاته كانت سَنَةَ مائة من الهجرة (٤).

وكل ما في الأمر أَنَّ الرسول بَيَّنَ لأصحابه أنهم لن يعمروا كما عمر من


(١) انظر " تأويل مختلف الحديث ": ص ٩٩.
(٢) " شرح النووي على مسلم ":١٦/ ٩٠.
(٣) [" السُنَّة ومكانتها في التشريع الإسلام " للدكتور مصطفى السباعي: ص ٢٧٩، الطبعة الثالثة - بيروت: ١٤٠٢ هـ - ١٩٨٢ م، المكتب الإسلامي: دمشق - سوريا، بيروت - لبنان].
(٤) " فتح الباري ": ٢/ ٧٥.

<<  <   >  >>