للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وروى آخره عن أنس بن مالك.

فلو كان هو من رواية أبي هريرة وحده لما اقتضى هذا الطعن فيه فما بالك وقد روى عن غيره من الصحابة كما رأيت، وبذلك انهار الأساس الذي بنى عليه كلامه وهو أنه من رواية أبي هريرة وحده وإذا كان أبو هريرة ليس بالعدل الثقة عنده فما رأيه والحديث ثبت عن غيره من الصحابة؟

وإذا كان وجه الإنكار هو أَنَّ الله تعالى يضع رجله، ففي القرآن جاء إثبات اليد والوجه والعين وغير ذلك، وإنْ كان وجه الإنكار أنهما تتخاصمان وتتكلمان فهل هذا مستنكر على الله الذي أنطق كل شيء، وهل يلزم من هذا التخاصم أَنْ يفهمه أَبُو رِيَّةَ وإلاَّ كان باطلاً.

قال النووي: «هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ فِي النَّارِ وَالْجَنَّةِ تَمْيِيزًا تُدْرَكَانِ بِهِ فَتَحَاجَّتَا» (١) ويحتمل أَنْ يكون بلسان الحال، والله على كل شيء قدير.

وإنْ كان سبب الاستغراب والإنكار أَنْ يأتي الله إلى النار، فإنَّ القرآن أثبت المجيء يوم القيامة: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} (٢).

إنَّ تحكيم العقل في مسألة الألوهية وصفاتها من سخافة العقل نفسه، ولا تؤدي عند هؤلاء المغتربين بعقولهم إلاَّ إلى الإلحاد والزندقة، وذلك لأَنَّ العقل الإنساني مهما بلغ من الذروة والكمال يبقى قاصرًا عن فهم كثير من الحقائق وخاصة المتعلقة منها بالألوهية وصفاتها والأمور التعبدية.

قال الشافعي: «كما أنَّ الحواس لها حد تنتهي إليه كذلك العقل له حد ينتهي إليه ويقصر دونه» (٣). وإذا كان العقل لا يزال عاجزًا عن معرفة سِرِّ الحياة في الإنسان نفسه، فكيف يستطيع أَنْ يحيط بحقيقة خالق هذا الكون وصفاته؟


(١) انظر " شرح صحيح مسلم " للنووي: ١٧/ ١٨٠
(٢) [الفجر: ٢٢].
(٣) [انظر ص ٣٢ من هذا الكتاب].

<<  <   >  >>