للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإنكار؟ إنَّ الخطب أعظم من هذا أنَّ المؤلف لا يؤمن بحياة أخرى للميت بعد موته في قبره، لهذا لم يستسغه عقله وأنه كيف يعذب الميت بفعل غيره وقد انقطع عمله؟

إنَّ المؤلف كثيرًا ما يتغنى بالعقل، وأنَّ الإسلام هو دين العقل وأنَّ محمدًا - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هو صاحب أعظم شريعة عقلية، يقول في ص ١٦٩: «إنَّ الإسلام الكريم يحترم العقل كما يحترم البحث ... » فإذا كان الإسلام دين العقل فهل العقل يرفض وجود الحياة الأخرى؟

إنَّ وجه الإنكار عنده أنه كيف يعذب الميت بعمل غيره وقد قال الله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى} (١).

والعمومات الأخرى؟

وللجواب على هذا قال الحافظ: «وَالْجَوَاب أَنَّهُ لاَ مَانِع فِي سُلُوك طَرِيق الْجَمْع مِنْ تَخْصِيصِ بَعْضِ الْعُمُومَاتِ وَتَقْيِيد بَعْض الْمُطْلَقَات، فَالْحَدِيث وَإِنْ كَانَ دَالاَّ عَلَى تَعْذِيب كُلّ مَيِّت بِكُلِّ بُكَاء لَكِنْ دَلَّتْ أَدِلَّة أُخْرَى عَلَى تَخْصِيص ذَلِكَ بِبَعْضِ الْبُكَاء كَمَا سَيَأْتِي تَوْجِيهه وَتَقْيِيد ذَلِكَ بِمَنْ كَانَتْ تِلْكَ سُنَّتُهُ أَوْ أَهْمَلَ النَّهْي عَنْ ذَلِكَ، فَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا أَنَّ الَّذِي يُعَذَّب بِبَعْضِ بُكَاء أَهْله مَنْ كَانَ رَاضِيًا بِذَلِكَ بِأَنْ تَكُون تِلْكَ طَرِيقَته» (٢).

وقال [المباركفوري] (*): وذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى تَأْوِيلِ هَذِهِ الأَحَادِيثِ لِمُخَالَفَتِهَا لِلْعُمُومَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ وَإِثْبَاتِهَا لِتَعْذِيبِ مَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ وَاخْتَلَفُوا فِي التَّأْوِيلِ فَذَهَبَ جُمْهُورُهُمْ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ إِلَى تَأْوِيلِهَا [بِمَنْ] أَوْصَى بِأَنْ يُبْكَى عَلَيْهِ لأَنَّهُ بِسَبَبِهِ وَمَنْسُوبٌ إِلَيْهِ قَالُوا: وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ كَمَا قَالَ طَرَفَةُ بْنُ الْعَبْدِ.

إِذَا مُتُّ فَابْكِينِي بِمَا أَنَا أَهْلُهُ * ... * ... * وَشُقِّي عَلَيَّ الْجَيْبَ يَا أُمَّ مَعْبَدِ


(١) [النجم: ٣٩].
(٢) " فتح الباري ": ٣/ ١٥٣ وذكر عدة تأويلات.
(*) [هي قولة المباركفوري لا النووي، انظر " تحفة الأحوذي ": ٤/ ٧٢ طبعة دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان].

<<  <   >  >>