للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كيف يجتمع الوضع حسبة مع عدم التعمد؟ إنَّ معنى الحسبة أَنْ يقصد الواضع وجه الله وثوابه، وهل يرجى وجه الله وثوابه بالكذب على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلاَّ على مذهب الجهلة الصوفية والكرَّامية القائلين: إنا نكذب لرسول الله لا على رسول الله! وهو باطل.

أما قوله: «أدرجت ليتكئ عليها الرُواة ... إلخ»، فمردود لأنَّ رفع إثم الخطأ والنسيان ليس بهذه الكلمة وإنما بأدلة أخرى.

إنَّ السر في ذكرها أنَّ الحديث لما ترتب وعيدًا شديدًا على الكذب، والمخطئ والناس والساهي لا إثم عليهم كان من الدقة والحيطة في التعبير التقييد بالعمد وذلك لرفع توهم الإثم على المخطئ والناسي.

وأما نقله عن الحافظ أنه لا يرى تواتر هذا الحديث حيث قال (١): «وَلأَجْلِ كَثْرَة طُرُقه أَطْلَقَ عَلَيْهِ جَمَاعَة أَنَّهُ مُتَوَاتِر، وَنَازَعَ بَعْض مَشَايِخنَا فِي ذَلِكَ قَالَ: لأَنَّ شَرْط التَّوَاتُر اِسْتِوَاء طَرَفَيْهِ وَمَا بَيْنهمَا فِي الْكَثْرَة، وَلَيْسَتْ مَوْجُودَة فِي كُلّ طَرِيق مِنْهَا» اقتصر على هذا القدر متبعًا طريقة {لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ} وترك {وَأَنْتُمْ سُكَارَى} (٢) وقد ترك ما ذكره الحافظ بعد هذا ما نصه: «وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَاد بِإِطْلَاقِ كَوْنه مُتَوَاتِرًا رِوَايَة الْمَجْمُوع عَنْ الْمَجْمُوع مِنْ اِبْتِدَائِهِ إِلَى اِنْتِهَائِهِ فِي كُلّ عَصْر، وَهَذَا كَافٍ فِي إِفَادَة الْعِلْم. وَأَيْضًا فَطَرِيق أَنَس وَحْدهَا قَدْ رَوَاهَا عَنْهُ الْعَدَد الْكَثِير وَتَوَاتَرَتْ عَنْهُمْ ... فَلَوْ قِيلَ فِي كُلّ مِنْهَا إِنَّهُ مُتَوَاتِر عَنْ صَحَابِيّه لَكَانَ صَحِيحًا، فَإِنَّ الْعَدَد الْمُعَيَّن لَا يُشْتَرَط فِي الْمُتَوَاتِر، بَلْ مَا أَفَادَ الْعِلْم كَفَى ...

وأما ما ذكره في الحاشية (٣): أَنَّ أدعياء السُنَّة وعبيد الأسانيد في عصرنا


(١) " أضواء على السُنَّة المحمدية ": ص ٤٢.
(٢) [النساء: ٤٣].
(٣) " أضواء على السُنَّة المحمدية ": ص ٣٩.

<<  <   >  >>