للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

واندفع في الصلاة فإذا هم بالشموع وخصيّ من قبل والي مصر يدق الباب، ففتحوا فنزل عن دابته وقال: أيكم محمد بن نصر؟ فقيل: هو، ذا، فأخرج صرّة فيها خمسون دينارا فدفعها إليه، وقال: أيكم محمد بن هارون؟ فقالوا:

هو ذا. فأخرج صرة فيها خمسون دينارا فدفعها إليه، وقال: أيكم محمد بن جرير؟ فقيل: هو، ذا. فأخرج صرّة فيها خمسون دينارا فدفعها إليه ثم قال:

أيكم محمد بن إسحاق ابن خزيمة؟ فقالوا: هو، ذا يصلي، فلما فرغ دفع إليه صرة فيها خمسون دينارا، ثم قال: إن الأمير كان قائلا (١) فرأى في المنام خيالا. قال: إن المحامد طووا كشحهم جياعا، فأنفذ إليكم هذه الصرر، وأقسم عليكم إذا نفدت فابعثوا إليّ أمدّكم.

قال أبو سعيد بن يونس: كان فقيها، قدم إلى مصر قديما سنة ثلاث وستين ومائتين. وكتب بها، ورجع إلى بغداد، وصنف تصانيف حسنة تدل على سعة علمه.

وقال الخطيب أبو بكر: أحد أئمة العلماء، يحكم بقوله، ويرجع إلى رأيه، لمعرفته وفضله، وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره، وكان حافظا لكتاب الله، عارفا بالقراءات بصيرا بالمعاني، فقيها في أحكام القرآن عالما بالسنن وطرقها، وصحيحها وسقيمها، وناسخها ومنسوخها، عارفا بأقوال الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من المخالفين (٢) في الأحكام، ومسائل الحلال والحرام، عارفا بأيام الناس وأخبارهم، وله الكتاب المشهور في «تاريخ الأمم والملوك» وكتاب «التفسير» الذي لم يصنّف أحد مثله، وكتاب «تهذيب الآثار» لم أر سواه في معناه، إلا أنه لم يتمّه، وكتاب حسن في القراءات سماه «الجامع» وله في أصول الفقه


(١) أي نائما في القيلولة، وهي نصف النهار.
(٢) في تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ٢/ ١٦٣: «من الخالفين».