للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدّين رجلا أعجميا أحمق كثير الشر، فصعد إليه سطح الجامع الأزهر، وسفه عليه وقبض على لحيته وضربه، ففر من بين يديه، وألقى نفسه من سطوح الجامع إلى سطوح دكاكين الوراقين، وكانت يومئذ بجانب الجامع، فتهشم وحمل إلى داره، فبقي أياما ومات، فسير له القاضي الفاضل خمسة عشر دينارا ليجهزه بها ولده، ولم يصل عليه، ولا شيع جنازته، فأنكر ذلك عليه.

واتفق أن الفاضل مات بعده فجأة بعد ثلاثة أيام، فعد هذا أعجب من حال جرير والفرزدق، فإنه كان بينهما ستة أشهر، وكان بين هذين الرجلين ثلاثة أيام، فليعتبر العقلاء بذلك.

وكان الأثير فاضلا جليلا نبيلا عالما أديبا بليغا، وله شعر مليح، وترسل فائق، وتقدم في الكتابة، ونال الرئاسة الخطيرة، وتمكن التمكن الكثير.

وصنف كتاب «تفسير القرآن الكريم»، وكتاب «المنظوم والمنثور»، قال فيه العماد الكاتب: له شعر كالسحر، ونثر كنظم الدرر.

ومن شعره يصف مغارة في جبل:

وشاهقة خضت حشا الجو مرتقى ... تشير إلى زهر الكواكب من عل (١)

محاسنها شتى ولكن أخصها ... وآثرها ذكرى حبيب ومنزل

جداول تجري باللجين فتارة ... تسح وأجداث تريني موئلي

وقال المنذري عن أبي الحسن علي المقدسي: سماعه صحيح، إلا أنه كان يتشيع.

وكانت وفاته بالقاهرة ليلة السبت الثالث من ربيع الآخر سنة ست وتسعين وخمسمائة، وكان رجلا طوالا دقيقا أسمر.


(١) الأبيات في المقفى، والأول والثاني منها في انباه الرواة.