وأما المتأخرون فتعمقوا وتنطعوا، ولما جَاءَ رجل إِلَى الإمام مالك وقال له: كيف استوى؟ قال له عبارات ما زلنا نستخدمها إِلَى الآن في جميع الصفات، وإذا تحدثنا عن صفات الله عَزَّ وَجَلَّ فلو ألفنا كتباً ما خرج كلامنا عن هذه العبارات التي قالها الإمام مالك وهي:"الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة " سُبْحانَ اللَّه! كيف أعطاهم الله عَزَّ وَجَلَّ هذا الملكة لأنهم كانوا يتلون كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ حق تلاوته، ويؤمنون بحديث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبالإيمان فجَّر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في قلوبهم ينابيع الخير والتقوى والعلم النافع، وأعطاهم فراسة المؤمن وقوة النظر، فيأتون بهذه العبارات الجامعة الدقيقة، فمهما خضنا في الصفات فنحن لا نتكلم في أي صفةٍ إلا عَلَى ضوء هذه القواعد الأربع، لأن معانيها واضحة جلية لكل أحد أما أن كيفيتها مجهولة فلأننا نجهل ذاته سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وإذا جهلنا ذاته جهلنا صفاته، وأما أن السؤال عنها بدعة فكل الطوائف التي خالفت ما أخبر به الله ورسوله فهي طوائف بدعية، وهذا من الأدلة الكثيرة الدلالة عَلَى ما ذكره المُصْنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى من فضل السلف.
ولذلك عندما نقول ويقول كل مؤمن بالله وبرسوله: إن علينا أن نتبع آثارهم وأن نقتفي خطاهم، وننظر فيما خاضوا فيه فنخوض في كل ما خاضوا، وما سكتوا عنه نسكت عنه، وما أجابوا عنه بجواب فإننا نجيب عليه بمثل ما أجابوا، حينئذٍ نعرف أن هذا هو الصواب، كما فعل البُخَارِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ في باب الإيمان عندما رد علىالمرجئة.