إذاً فكل إنسان وكل مجتمع وكل أمة تتجه وتبحث عن إله، وتبحث عن دين، وهذا دليل عَلَى وجود الفطرة، وعلى أن هذه الفطرة تتجه إِلَى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ لكن قد تضل وقد تصيب، ولنضرب عَلَى ذلك أمثلة واقعية حسية من واقع الحيوان، فالحيوان إذا رأى النَّار ابتعد عنها، ولا يمكن أن يأتي حيوان ويدخل في النار، إلا إذا وقع طريق الخطأ، مثل الفراشة لأنها عندما ترى النَّار تظن أن هذه ألوان الطيف من الجمال، مثل الأزهار الجميلة، فالجمال يجعل الفراشة تقع في النار، مع أنها لا تريد أن تعذب نفسها، ولذلك إذا وقعت في النَّار واحترق جناح من أجنحتها تهرب وتحاول أن تتحرك لتبتعد عن النار، فكل إنسان متجه إِلَى ما ينفعه لا إِلَى ما يضره.
فإن زين له، أو لبس عليه، أو أغري فوقع فيما يضر، فإنه سرعان ما يحاول الخروج، وذلك مثل الكفار، عندما تزين لهم الشبهات فيعبدون غير الله، فالاتجاه إِلَى الإله موجود، لكن زينت لهم الشبهات والشهوات، وسول لهم الشيطان أن يعبدوا غير الله، فعبدوا غير الله ووقعوا في النَّار فعندما يقولون: رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ [المؤمنون:١٠٧] يدعون الله ويتمون أن يخرجهم من النَّار لأنهم قد وقعوا فيها بسبب التلبيس؛ لكن هل المُشْرِكُونَ والكفار عبدوا غير الله ليدخلوا النار؟
لا؛ بل قالوا: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:٣] فهم لا يريدون أن يدخلوا النار، ولا يعبدون أصنامهم إلا لتدخلهم الجنة إن كَانَ هناك بعث.
وقد قالوا لرَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن افترضنا عَلَى كلامك أن هناك جنة وناراً.