[والقرآن مملوء من تقرير هذا التوحيد وبيانه وضرب الأمثال له. ومن ذلك أنه يقرر توحيد الربوبية، ويبين أنه لا خالق إلا الله، وأن ذلك مستلزم أن لا يعبد إلا الله، فيجعل الأول دليلاً عَلَى الثاني، إذ كانوا يسلمون الأول، وينازعون في الثاني، فيبين لهم - سبحانه- أنكم إذا كنتم تعلمون أنه لا خالق إلا الله، وأنه هو الذي يأتي العباد بما ينفعهم، ويدفع عنهم ما يضرهم، لا شريك له في ذلك، فلم تعبدون غيره وتجعلون معه آلهة أخرى؟
يقول الله تَعَالَى في آخر كل آية: أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ أي: أإله مع الله فعل هذا؟
وهذا استفهام إنكار، يتضمن نفي ذلك، وهم كانوا مقرين بأنه لم يفعل ذلك غير الله، فاحتج عليهم بذلك، وليس المعنى استفهام: هل مع الله إله؟ -كما ظنه بعضهم- لأن هذا المعنى لا يناسب سياق الكلام، والقوم كانوا يجعلون مع الله آلهة أخرى كما قال تعالى: أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لا أَشْهَد [الأنعام:١٩] .
لكنهم ما كانوا يقولون: إن معه إلهاً جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً [النمل:٦١] بل هم مقرون بأن الله وحده فعل هذا وهكذا سائر الآيات.