وسورة البقرة أول سورة نزلت في المدينة، وهي من أعظم سور القرآن؛ لاشتمالها عَلَى أعظم آية في كتاب الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وهي: آية الكرسي ولما اشتملت عليه من الأحكام العظيمة، والمعاني الجليلة، ولذلك -كما في الحديث الصحيح- (لا تستطيعها البطلة) -أي: السحرة والكهان- والشيطان يفر من البيت الذي يسمع سورة البقرة تقرأ فيه -كما في الحديث الآخر.
وهي أول سورة نزلت في المدينة، جاءت في مفتتح القُرْآن بعد الفاتحة، فذكر الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- في أولها صفة القُرْآن العظيم، ثُمَّ صفات المؤمنين فيه ثُمَّ الكافرين ثُمَّ المنافقين، وبعد الانتهاء من صفات المنافقين أمر بهذا الأمر الذي هو أول أمر في القُرْآن فقوله سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ هذا خطاب عام لجميع النَّاس اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:٢١] .
أمر النَّاس جميعاً أن يعبدوه وحده، لأنه هو الذي خلقهم الَّذِي خَلَقَكُمْ فكونه هو الذي خلقكم، وكونه هو الذي خلق الذين من قبلكم، هذه قضية بدهية، وهي حقيقة مقررة عندكم؛ إذاً فاعبدوه وحده لا شريك له وأفردوه بالعبادة سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
والآية التي في سورة الأنعام قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ [الأنعام:٤٦] وهم مقرون وعالمون أنه لا أحد غير الله يأتيهم بذلك، وأن الله هو الذي رزقهم.
فهذا يبين ويوضح أن كل الآيات التي وردت في القُرْآن -ومنها الآيات التي في سورة النمل- إنما المراد بها أنكم لِمَ تجعلون لله شريكاً في العبادة ما دام أنه ليس له شريكاً في الخلق؟! هذا هو مضمون ما ذكره المُصْنِّفُ -رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى- في ذلك.