وانتظام أمر العالم كله وإحكام أمره، من أدل دليل عَلَى أن مدبره إله واحد، وملك واحد، ورب واحد، لا إله للخلق غيره، ولا رب لهم سواه. كما قد دل دليل التمانع عَلَى أن خالق العالم واحد، لا رب غيره ولا إله سواه، فذاك تمانع في الفعل والإيجاد، وهذا تمانع في العبادة والإلهية، فكما يستحيل أن يكون للعالم ربان خالقان متكافئان، كذلك يستحيل أن يكون لهم إلهان معبودان، فالعلم بأن وجود العالم عن صانعين متماثلين ممتنع لذاته، مستقر في الفطر معلوم بصريح العقل بطلانه، فكذا تبطل إلهية اثنين. فالآية الكريمة موافقة لما ثبت واستقر في الفطر من توحيد الربوبية، دالة مثبتة مستلزمة لتوحيد الإلهية] اهـ.
الشرح:
هذا المقطع الطويل كله في بيان حقيقة توحيد الربوبية، ويبدؤه المُصْنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ ببيان أنه إذا كَانَ توحيد الربوبية الذي يجعله بعض النظار أو المتكلمين هو الغاية؛ فإن التوحيد الذي جَاءَ به الأَنْبِيَاء -وهو توحيد الألوهية- متضمن لهذا التوحيد، بمعني: أن توحيد الربوبية داخل في توحيد الألوهية، فكيف تجعلونه غاية وهي داخلة في الغاية العظمى التي دعا إليها الأَنْبِيَاء وهي التوحيد الحقيقي توحيد الألوهية؟! ثُمَّ يقول: إذا علم ذلك وأن هذا التوحيد داخل في ذلك التوحيد، فينبغي أن يعلم أن دلائل ذلك التوحيد -أي توحيد الربوبية- كثيرة مثلما أن دلائل توحيد الألوهية كثيرة، وأن دلائل صدق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كثيرة، والدلائل عَلَى أن القُرْآن حق كثيرة، ثُمَّ يقول المُصْنِّف في تعليل كثرة الأدلة عَلَى توحيد الربوبية: